للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الحياة الآخرة. ونحن لا نتكهن في الزمن الحاضر عن وجهة نظرهم في ذلك الزمن, لعدم وجود كتابات جاهلية أو آثار تتحدث عن تلك الحياة.

وإذا قلنا: إن تلك القبور كانت ساذجة خالية من الكنوز التي يجدها الناس في أهرامات مصر, فإن ذلك لا يعني أن قبور الجاهليين, كانت كلها خالية من النفائس تمامًا. فقد عثر في بعض منها على أساور من ذهب وخواتم وتماثيل وجرار بل وعلى سيوف وخناجر وسكاكين, وضعت مع الميت في قبره, كما يروي أهل الأخبار أن بعض الجاهليين كانوا يتعقبون المقابر القديمة, فينبشونها لاستخراج ما فيها من أشياء نفيسة, حتى ذكروا أن ثراء "عبد الله بن جدعان" إنما كان من المقابر القديمة التي كانت بمكة١, ورووا قصصًا عن قبور زعم أن الناس عثروا فيها على كنوز, وقد سبب هذا القصص إقدام الناس على نبش المقابر الجاهلية لاستخراج ما قد يكون في جوفها من ذهب وكنوز, مما أفسدها وأزال معالمها وأضاع علينا تراث الجاهليين.

وقد ذكر "أبو علي لغدة" الأصفهاني, أن "بجلدان هضبة سوداء, يقال لها: بتعة, ومنها نُقُبٌ, كل نقب قدر ساعة, كانت تلتقط فيه السيوف العادية, والخرز, يزعمون أن فيه قبورًا لعاد, وكانوا يعظمون ذلك الجبل"٢.

وقد عثر على بعض المقابر الجاهلية في العربية الجنوبية, ظهر منها أن القبور ساذجة لا تكلف فيها ولا تعقيد في الغالب. ولكنها مختلفة باختلاف الأرضين والقبائل وطبيعة الأرض. فقد عثر على قبور اتضح منها أن الجاهليين في بعض أماكن من اليمن, وضعوا الميت في تابوت قائم الزوايا, مصنوع من الحجر, وقد غطي بغطاء من الحجر كذلك. ومثل هذه القبور لا تكون في العادة إلا في الأماكن التي تتوفر فيها الحجارة. أما في الأماكن الصحراوية والترابية التي لا تتوافر فيها مثل هذه الحجارة, فلم يكن من الممكن وضع الميت في مثل هذا التابوت, ولهذا كانوا يدفنونه في الأرض في لحد, ثم يهال على الميت التراب. وقد عثر على جملة قبور تكوّن مجموعة واحدة يحيط بها حائط معقود بالحجارة يتراوح ارتفاعه من متر إلى خمسة أمتار. وهي مدافن أسرة واحدة في الغالب. وقد أشير إلى


١ الروض الأنف "٢/ ٩٢ وما بعدها".
٢ بلاد العرب "١٣, ٣٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>