للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل لسيدنا محمد -صلى الله علية وسلم- الأمي؛ لأن أمة العرب لم تكن تكتب ولا تقرأ المكتوب، وبعثه الله رسولًا، وهو لا يكتب ولا يقرأ من كتاب، وكانت هذه الخلة إحدى آياته المعجزة؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- تلا عليهم كتاب الله منظومًا تارة بعد أخرى، بالنظم الذي أنزل عليه، فلم يغيره ولم يبدل ألفاظه، ففي ذلك أنزل الله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} . وقال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي: إن مما حرم عليه, صلى الله عليه وسلم: الخط والشعر، وإنما يتجه التحريم إن قلنا: إنه كان يحسنهما، والأصح أنه كان لا يحسنهما، ولكن يميز بين جيد الشعر ورديئه. وادعى بعضهم أنه صار يعلم الكتابة بعد أن كان لا يعلمها؛ لقوله تعالى من قبله في الآية. فإن عدم معرفته بسبب الإعجاز. فلما اشتهر الإسلام وأمن الارتياب عرف حينئذ الكتابة. وقد روي عن ابن أبي شيبة وغيره: ما مات رسول الله -صلي الله عليه وسلم- حتى كتب وقرأ، وذكره مجالد للشعبي. فقال: ليس في الآية ما ينافيه. قال ابن دحية: وإليه ذهب أبو ذر الفتح النيسابوري والباجي وصنف فيه كتابًا، ووافقه عليه بعض علماء إفريقية وصقلية. وقالوا: إن معرفة الكتابة بعد أميته لا تنافي المعجزة، بل هي معجزة أخرى بعد معرفة أميته وتحقق معجزته, وعليه تتنزل الآية السابقة والحديث, فإن معرفته من غير تقدم تعليم معجزة. وصنف أبو محمد بن مفوز كتابًا رد فيه على الباجي وبيّن فيه خطأه، وقال بعضهم: يحتمل أن يراد أنه كتب مع عدم علمه بالكتابة وتمييز الحروف، كما يكتب بعض الملوك علامتهم وهم أميون، وإلى هذا ذهب القاضي أبو جعفر السمناني"١.

وقد تعرض "الألوسي" لهذا الموضوع في تفسير الآية: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ، بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} ٢. فقال: "واختلف في أنه -صلى الله عليه وسلم- أكان بعد النبوة يقرأ ويكتب أم لا؟ فقيل: إنه -عليه الصلاة والسلام- لم يكن يحسن الكتابة، واختاره البغوي في التهذيب، وقال: إنه الأصح. وادعى بعضهم أنه -صلى الله عليه وسلم- صار يعلم الكتابة بعد أن كان


١ تاج العروس "٨/ ١٩١"، "أمم".
٢ العنكبوت، ٢٩، الآية ٤٨، تفسير الطبري "٢١/ ٤"، تفسير الألوسي "٢١/ ٤"

<<  <  ج: ص:  >  >>