للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يعلمها، وعدم معرفتها بسبب المعجزة لهذه الآية، فلما نزل القرآن واشتهر الإسلام وظهر أمر الارتياب تعرف الكتابة حينئذ. وروى ابن أبي شيبة وغيره: ما مات -صلى الله عليه وسلم- حتى كتب وقرأ. ونقل هذا للشعبي فصدقه، وقال: سمعت أقوامًا يقولونه وليس في الآية ما ينافيه. وروى ابن ماجه عن أنس قال: قال، صلى الله عليه وسلم: رأيت ليلة أُسري بي مكتوبًا على الجنة: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر.

ثم قال: ويشهد للكتابة أحاديث في صحيح البخاري وغيره، كما ورد في صلح الحديبية: فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب: "هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله" الحديث.

وممن ذهب إلى ذلك أبو ذر عبد بن أحمد الهروي، وأبو الفتح النيسابوري، وأبو الوليد الباجي من المغاربة، وحكاه عن السمناني. وصنف فيه كتابًا، وسبقه إليه ابن منية. ولما قال أبو الوليد: ذلك طعن فيه ورمي بالزندقة وسبّ على المنابر، ثم عقد له مجلس فأقام الحجة على مدّعاه، وكتب به إلى علماء الأطراف، فأجابوا بما يوافقه، ومعرفة الكتابة بعد أميته -صلى الله عليه وسلم- لا تنافي المعجزة، بل هي معجزة أخرى لكونها من غير تعليم.

وقد رد بعض الأجلة كتاب الباجي لما في الحديث الصحيح: "إنا أمة أمية نكتب ولا نحسب". وقال: كل ما ورد في الحديث من قوله: كتب، فمعناه أمر بالكتابة، كما يقال: كتب السلطان بكذا لفلان. وتقديم قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِهِ} على قوله سبحانه: {وَلا تَخُطُّهُ} كالصريح في أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يكتب مطلقًا. وكون القيد المتوسط راجعًا لما بعده غير مطرد. وظن بعض الأجلة رجوعه إلى ما قبله وما بعده، فقال: يفهم من ذلك أنه -عليه الصلاة والسلام- كان قادرًا على التلاوة والخط بعد إنزال الكتاب، ولولا هذا الاعتبار، لكان الكلام خُلوًّا من الفائدة. وأنت تعلم أنه لو سُلّم ما ذكره من الرجوع، لا يتم أمر الإفادة إلا إذا قيل بحجية المفهوم، والظانّ ممن لا يقول بحجيته.

ثم قال الألوسي في تفنيد هذه الردود ما نصه:

ولا يخفى أن قوله، عليه الصلاة والسلام: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب"، ليس نصًّا في استمرار نفي الكتابة عنه -عليه الصلاة والسلام- ولعل ذلك باعتبار

<<  <  ج: ص:  >  >>