للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقال من أهل الحيرة. ويقال: إنه سئل المهاجرون من أين تعلمتم الخط؟ فقالوا: من الحيرة. وسئل أهل الحيرة من أين تعلمتم الخط؟ فقالوا: من الأنبار١.

والذين يذكرون أن "بشر بن عبد الملك" أخو "أكيدر بن عبد الملك" الكندي صاحب "دومة الجندل", الذي تعلم الكتابة من أهل الأنبار, وخرج إلى مكة, فتزوج "الصهباء بنت حرب بن أمية" أخت "أبي سفيان", وعلّم جماعة من أهل مكة الكتابة, فلذلك كثر من يكتب بمكة من قريش, يروون شعرًا لرجل من أهل دومة الجندل, زعموا أنه قاله إظهارًا لمنة قومه على قريش, هو:

لا تجحدوا نعماء بشر عليكمو ... فقد كان ميمون النقيبة أزهرا

أتاكم بخط الجزم حتى حفظتمو ... من المال ما قد كان شتى مبعثرا

وأتقنتمو ما كان بالمال مهملاً ... وطامنتمو ما كان منه منفرا

فأجريتم الأقلام عودًا وبدأة ... وضاهيتمو كتّاب كسرى وقيصرا

وأغنيتمو عن مسند الحي حمير ... وما زبرت في الصحف أقيال حميرا٢

فبشر بن عبد الملك, هو الذي نقل "الجزم" إلى "مكة". والجزم هو الخط الذي دوّن به القرآن, أي: القلم الذي نكتب به اليوم. فأغنى به أهل مكة عن الكتابة بقلم المسند قلم حمير الثقيل, وصاروا يكتبون بالقلم وبالحبر, على طريقة الفرس والروم يدوّنون به أموالهم. ويظهر من ذلك أن القلم المسند, كان ثقيلًا في الكتابة, ولهذا وجد أهل مكة صعوبة في تدوين أمورهم به, فعدلوا عنه إلى القلم الجزم.

ولو صح هذا الشعر, فإن البيت الأخير منه يدل على أن أقيال حمير وغيرهم كانوا يكتبون بخطهم: المسند على الصحف, وأنه قد كانت عندهم كتابات دوّنوها به بالحبر والقلم على الصحف والأدم ومواد الكتابة الأخرى, ولم يكونوا يكتفون بالكتابة به على الأحجار فقط؛ لأننا نجد أن كتاباتهم الواصلة إلينا إنما


١ تاج العروس "٣/ ٥٤٠", "مرر", المزهر "٢/ ٣٤٧".
٢ المزهر "٢/ ٣٤٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>