للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونجد في كتب أهل الأخبار صور رسائل في أمور ذات طابع إخباري. منها رسائل دوّنت بعبارات واضحة صريحة، يظهر أن أصحابها كانوا مطمئنين من عدم إمكان سقوطها في أيدٍ عدوةٍ فتقف على ما جاء فيها، لذلك كتبوها بعبارات مفهومة مكشوفة. ومنها ما كتبت شعرًا كالذي روي من إرسال شعر كتبه "لقيط بن يعمر الإيادي" لقومه يحذرهم فيه من كسرى١. أو نثرًا وقد كتبها أصحابها على شيء لا يلفت النظر، كحدوج الجمال المسافرة إلى جهة معينة، لتقرأ هناك، أو رسائل لا تلفت النظر ولكنها ذات معانٍ مفهومة عندما ترسل إليه، وقد تحمل الرسالة لرسول لينقلها شفاهًا إلى من يراد إخبارهم خبرًا، وذلك في الأمور الهامة بالطبع، التي لا يمكن الإفصاح عنها، لما لها علاقة بحروب أو غزو أو وضع أسير واقع في عذاب أسر آسريه، ويريد إبلاغ أهله بذلك ليخلصوه من وضعه السيئ.

ومن رسائل الإخبار، الرسائل التي كتبها المسلمون المتخفون أو المشركون الميالين للمسلمين على قريش، يخبرون فيها الرسول وأصدقاءهم المسلمين بأمر قريش وعورتهم واستعدادهم ليكونوا على حذر منها، والرسائل التي كتبها بعض المسلمين الذين لم يكن الإسلام قد تمكن بعد من قلوبهم، أو كتبوها شفقة لبعض أصدقائهم من المشركين عن الإسلام والمسلمين. ومنها كتاب "حاطب بن أبي بلتعة" إلى صفوان بن أمية وسهل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل. يقول فيه: "إن رسول الله قد أذن في الناس بالغزو، ولا أراه يريد غيركم، وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد بكتابي إليكم". وأعطى الكتاب إلى امرأة من مزينة، وجعل لها مبلغًا من الدنانير على أن تبلغه قريشًا. وقال: أخفيه ما استطعت، ولا تمري على الطريق فإن عليه حرسًا. فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها وسلكت على غير نقب، فبلغ الرسول أمرها، فأرسل من قبض على الرسالة. وتوسل حاطب إلى الرسول، بأن يعفو عنه؛ لأنه كان رجلًا ليس له في القوم أصل ولا عشيرة، فصاروا له أهلًا واعتبروه ولدًا فصانعهم فعفا عنه. ونزل الوحي في شأنه في سورة الممتحنة٢.


١ ابن قتيبة، الشعر "٩٧ وما بعدها" الأغاني "٢٠/ ٢٣ وما بعدها".
٢ الآية ١، إمتاع الأسماع "٣٦٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>