للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لورود أمراض فيها وطرق معالجة، كانت معروفة وشائعة في الشرق الأوسط قبل الإسلام. ونجد في المعجمات الخاصة بالعهدين القديم والجديد وفي تواريخ الطب القديم معلومات ذات أهمية كبيرة بالنسبة إلينا، لأنها تعيننا على تكوين رأي في الطب عند الجاهليين.

والمذكورون، هم أطباء نشأوا في المدن، وأقاموا في الحضر، وتعلموا من أطباء محترفين. أما الأعراب، فقد كان لهم أطباء، ولكن طبهم، هو طب العرف والعادة. طب موروث، يداوي بالوصفات التي داوى بها الآباء والأجداد، دون تغيير وتبديل وجدل ونقاش. ولهذا، فهو طب بدائي تقليدي موروث، يعتمد في مداواته على قدرة القبيلة، وعلى ما يجده الطبيب حوله من نبات وأعشاب وحيوان ونار فيداوي بها. وما زال الأعراب على طبهم هذا، يداوون به على نحو ما داوى أجدادهم وأجداد أجدادهم في الإسلام وقبل الإسلام.

وليس لطب البادية اتصال بالطب الخارجي، إلا ما كان من طب القبائل القاطنة على مقربة من الحواضر، أو القبائل التي كان لها اتصال مباشر منتظم أو غير منتظم بالعالم الخارجي. فقد تسرب إلى علم "العوارف" فيها نفح من الطب الغريب، عالج به "عوارف" القبيلة، واستمروا على المعالجة به، حتى صار سنة لهم وطبًّا قبليًّا. ومن أهم صفات الطب القبلي، أنه طب لا يثق إلا بنفسه، ولا يرى الشفاء إلا من أطبائه وبأدويته المتعارفة عنده والمريض الأعرابي لا يعمل إلا بطب أصحاب الخبرة من الشيبة والعجائز الذين عرفوا بممارستهم معالجة المرضى وللسن عندهم قيمة في نجاح المعالجة والحصول على الشفاء، فالسن تجربة وعلم.

ولذلك فللمسن المعالج الذي يرجع إليه عند الشكاية من الألم والمرض، تأثير كبير على المريض من الناحية النفسية، لاعتقاده بأن السنين تزيد في خبرة الإنسان وتضيف إلى علمه القديم علمًا جديدًا. لذلك يثق المرضى به، مع أن طب الأعراب، لا يعرف البحث والمطالعة لزيادة العلم، ولا يركن إلى التجديد بالحصول على معارف طبية جديدة، بدراسة أثر أعشاب البادية بصورة مستمرة في شفاء المرضى واستخلاف النتائج من مراقبة تأثير الدواء على حالة المريض.

وقد عرف طب البادية بـ"طب الأعراب" وبطب البادية، وعرف دواء الأعراب بدواء أهل البادية. وهو دواء نابت من محيطهم يستند على المعالجة بالأعشاب وبالرماد وبالألبان وبأبوال الإبل وبالخرز. ومن أدويتهم "النهاء" دواء

<<  <  ج: ص:  >  >>