للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لتواريخهم دليلًا على تأريخ أهل الحيرة بتقويم الفرس.

ويروي أهل الأخبار أن العرب كانوا يؤرخون بالحوادث العظام التي تحدث لهم، من ذلك عام الحُنان. وهو عام وقع فيه كما يقولون مرض خطير عضال فتك بالناس وبالإبل، فأرخوا به، ورووا في ذلك شعرًا للنابغة الجعدي١. وقد وقع زمن الخنان في عهد المنذر بن ماء السماء، وماتت الإبل منه. فصار ذلك تأريخًا لهم٢. ويظهر أنه كان وباء فتك بالناس وبالإبل، وانتشر في العراق وفي نجد، فأرخ به لأهميته بالنسبة لهم، والتأريخ بالأوبئة شيء مألوف، وأهل بغداد كانوا يؤرخون بطاعون وقع عندهم في عهد العثمانيين وقبل الحرب العالمية بسنوات ولا زال الشيبة يؤرخون به.

وكان أهل مكة يؤرخون بما يقع عندهم من أحداث جسيمة، فإذا أرخوا بحادث ومضى عهد عليه، ووقع له حادث آخر أكثر أهمية وشعبية منه، أرخوا به. فتوالت لهم عدة تواريخ، نسخت بعضها بعضًا، فأرخوا كما يذكر أهل الأخبار بعام رئاسة عمرو بن ربيعة المعروف بعمرو بن لحي، وهو الذي يقال: إنه بدل دين إبراهيم، وحمل من مدينة البلقاء صنم هُبَل، وعمل إسافًا ونائلة، وذلك كما يقال في زمن "سابور ذي الأكتاف". وأرخوا بعام موت كعب بن لؤي إلى عام الغدر، وهو الذي نهب فيه بنو يربوع ما أنفذه بعض ملوك حمير إلى الكعبة من الكسوة، ووثب بعض الناس على بعض في الموسم. ثم أرخوا بعام الغدر إلى عام الفيل الذي أرخوا به٣. قال "الجاحظ": "ومن الخبطاء القدماء كعب بن لؤي، وكان يخطب على العرب عامة، ويحض كنانة على البر، فلما مات أكبروا موته، فلم تزل كنانة تؤرخ بموت كعب بن لؤي إلى عام الفيل"٤.


١
فمن يحرص على كبري فإني ... من الشبان أيام الخنان
بلوغ الأرب "٣/ ٢١٤ وما بعدها".
٢ تاج العروس "٩/ ١٩٣" "خنن"، بلوغ الأرب "٣/ ٢١٤"، اللسان "١٣/ ١٤٣" "صادر"، "خنن".
٣ الآثار الباقية "١/ ٣٤".
٤ البيان والتبيين "١/ ٣٥١".

<<  <  ج: ص:  >  >>