للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال للرسول: يا رسول الله؛ مالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟ فقال رسول الله: "كانت لغة بني إسماعيل قد درست فجاء بها جبريل عليه السلام فحفظنيها، فحفظتها" ١.

والعربية بعد، في اصطلاح أئمة العربية: العربية المتينة. أما عربية أهل اليمن: عربية أبناء قحطان فعربية أخرى. وعلى هذا فنحن أمام عربيتين: عربية قحطانية، وعربية عدنانية إسماعيلية. وبالعربية المتينة تكلم عرب الحيرة، كما يظهر ذلك من خبر دونه "الجاحظ" في كتابه "البيان والتبيين"، والطبري في تأريخه، فقد ذكر "الجاحظ" أن "خالد بن الوليد" سأل "عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة": "أعرب أنتم أم نبط؟ قال: عرب استنبطنا، ونبط استعربنا. قال: فحرب أنتم أم سلم؟ قال: سلم"٢، أو أنه قال لهم: "ويحكم! ماأنتم! أعرب؟ فما تنقمون من العرب! أو عجم؟ فما تنقمون من الإنصاف والعدل! فقال له عدي: بل عرب عاربة وأخرى متعربة، فقال: لو كنتم كما تقولون لم تحادّونا وتكرهوا أمرنا، فقال له عدي: ليدلك على ما نقول أنه ليس لنا لسان إلا بالعربية"٣. فلسان أهل الحيرة عربي، ليس لهم لسان سواه. بها كانوا ينظمون الشعر وبها كتبوا. فهذه العربية هي عربية الحيرة وعرب العراق.

وساير كثير من المستشرقين علماء العربية في تقسيم اللهجات العربية إلى عربيتين: عربية جنوبية، هي العربية القحطانية. وعربية شمالية، هي عربية القبائل العدنانية.

ولكل مجموعة لهجات محلية، لم تكن تختلف فيما بينها اختلافًا كبيرًا، وتتباين بونًا شاسعًا، وإنما اختلفت في أمور بسيطة من الفروق اللسانية، بحيث لا نستطيع أن نضعها في مجاميع لغوية جديدة٤.

ومن الكتابات الجاهلية التي يعود عهد بعض منها إلى ما قبل الميلاد، حصل الباحثون على علمهم بلغة العرب الجنوبيين وبحضارتهم، وقد تبين لهم منها أن تلك الكتابات تمثل لغة متطورة ذات قواعد نحوية وصرفية، وأنها كانت لغة التدوين


١ المزهر "١/ ٣٥".
٢ البيان والتبيين "٢/ ١٤٨"، أمالي المرتضى "١/ ٢٦١".
٣ الطبري "٣/ ٣٦١ وما بعدها".
٤ Ignace Goldziher, History of Classical Arabic Literature, p. ٢, ١٩٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>