للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندهم، وقد استعملت مصطلحات فنية تدل على وجود حضارة لدى الكاتبين بها، وقد دام التدوين بها إلى ظهور الإسلام١.

أما علمنا بقواعد نحو وصرف اللغة العربية الشمالية، التي نسميها اللغة الفصحى، فمستمد من الموارد الإسلامية فقط، لعدم ورود نصوص جاهلية مدوّنة بها. ولهذا اقتصر علمنا بها على ما جاء عنها في الموارد الإسلامية ليس غير. أما النصوص المعدودة القصيرة، التي تبدأ بنص النمارة، وتنتهي بكتابة "حران اللجا" التي يعود عهدها إلى سنة "٤٦٣" من سقوط "خبر" "خيبر"، المقابلة لسنة "٥٦٨" للميلاد، فإنها وإن كانت قد كتبت بعربية قريبة من العربية المحضة، إلا أنها تمثل في الواقع لهجة من اللهجات العربية الشمالية، متأثرة بالإرمية "النبطية" ولذلك لا أستطيع اعتبارها نصوصًا من نصوص العربية الفصحى الخالصة، ثم إنها قصيرة أطولها نص النمارة، المدون بخمسة سطور فقط. ويعود عهده إلى سنة "٣٢٨" للميلاد. ولهذا لم نتمكن من استنباط شيء مهم منها، يفيدنا في تعيين صرف ونحو العربية الفصحى، أو هذه العربية التي دونت بها. ولهذه الأسباب علمنا اليوم بقواعد وبنحو كتابات المسند، والكتابات الثمودية واللحيانية والصفوية والنبطية، مستمد من موارد هي أقدم جدًّا من الموارد الإسلامية، يعود تأريخ بعض منها إلى ما قبل الميلاد. ووثائق هذه العربيات جاهلية أصيلة، لا يشك أحد في أصالتها، أما العربية الفصحى فنصها الوحيد، الذي لا يشك أحد في أصالته هو القرآن الكريم، فلا نص بها قبله، وهو أطول نص ورد إلينا بهذه العربية وبسائر العربيات الأخرى بغير استثناء.

هذا وقد سبق لي أن تحدثت في الفصل الأول من هذا الكتاب عن تحديد لفظة العرب، وعن معانيها، وعن ورودها في مواضع من القرآن، مثل: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} ٢. وفيه {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} ٣. وفيه: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ


١ Ignace Goldziher, History of Classical Arabic Literature, p. ٢.
٢ النحل، الرقم ١٦، الآية ١٠٣.
٣ الشعراء، الرقم ٢٦، الآية ١٩٣ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>