للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل الإسلام بزمن طويل١، وربما كان هذا شأنهم قبل الميلاد.

ولا يفهم من أقوال علماء اللغة عن لغتهم، أنها كانت ذات صلة بالعربيات الجنوبية، وأما ما ذكروه من "ذي" التي نعتوها بـ"ذي" الطائية، فليس لها صلة بـ"ذ" الواردة في العربيات الجنوبية، وإنما هي سمة خاصة بلهجة "طيء" التي هي من العربية الشمالية، أو من مجموعة عربية "ال" في اصطلاحي الذي أطلقته على العربية الشمالية، لامتيازها بأداة التعريف هذه عن بقية اللهجات العربية التي استعملت أداة أخرى للتعريف. ولهذا فإن قبيلة "طيء" هي قبيلة عربية من القبائل المتكلمة بعربية "ال"، وإن عدّ النسابون نسبها من الجنوب.

وما ذكرته من فروق واختلاف، فإنما هو مما يتناول الاختلاف الكائن بين اللهجات العربية الشمالية، وأكثره مما يتناول لهجات القبائل في عهد التدوين، في الأيام التي ظهر فيها الوعي بوجوب تسجيل علوم اللغة وضبطها، فكان أن أخذ علماء اللغة من الفصحاء وممن اشتهر بالعلم باللغة من الصحابة والتابعين، كما أخذوا من الأعراب الذين كانوا يفدون على البصرة والكوفة، وهم من قبائل مختلفة، لكنهم على الأكثر من أعراب البوادي القريبة من العراق، ومن القبائل الضاربة في البادية، فقد ذهب قوم من علماء اللغة إلى البادية معدن اللغة للأخذ من ألسنة أهلها مباشرة، ولاستقراء لهجاتها للتوصل بذلك إلى معرفة اللغة والقواعد. فكان من هذا الجمع ومن مراجعة القرآن والشعر والحديث، هذا المدون في الكتب من علوم العربية. فهو كله إذن تدوين ظهر في الإسلام.

ولكننا لا نستطيع أن نتحدث عن ذهاب عدد كبير من العلماء إلى البوادي لدراسة لهجات القبائل، كما لا نستطيع التحدث عن الطرق والأساليب التي سلكوها في جمع اللغة وفي البحث عنها وأخذها من أفواه أصحابها، لعدم وجود شيء من ذلك في الموارد الموجودة لدينا الآن. نعم لقد ذكروا أن أقدم من ذهب إلى البادية: يونس بن حبيب "١٨٣هـ"، و"خلف الأحمر" "١٨٠"، و"الخليل بن أحمد" "١٧٥هـ"، و"أبو زيد" الأنصاري "٢١٥هـ"، و"الكسائي" "١٨٩هـ" الذي ذهب إلى وادي الحجاز ونجد وتهامة، ورجع وقد أنفد خمس


١ الجزء الأول من هذا الكتاب "ص٣١".

<<  <  ج: ص:  >  >>