للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عشرة قنينة من الحبر في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ١، ولكننا لا نعرف شيئًا عن بحوثهم وعن استقراءاتهم ولا عن طرقهم التي اتبعوها في بحثهم وتنقيرهم عن اللغة، والأغلب أنها تناولت الغريب والشعر، ثم إننا لا نستطيع التحدث عن هذه الرحلات بشيء من الاطمئنان والثقة، لما قد يكون في كلام رواتها من المبالغة والإضافة والافتعال بسبب العصبية إلى المدينة وإلى العلماء.

ويلاحظ أن معظم الملاحظات المدونة عن اللغات تناولت قبائل ألِف علماء العربية الأخذ عنها والاستشهاد بكلامها، وهي قبائل يرجع النسابون نسبها على طريقتهم إلى "معد"، ويظهر من ملاحظات العلماء عن لهجاتها أنها كانت تتكلم بلهجات متقاربة، ترجع إلى المجموعة التي تستعمل "ال" أداة للتعريف. أما القبائل التي رجع أهل النسب نسبها إلى قحطان، والتي استشهد بشعرها فهي: الأزد، وحمير، وبعض طيء، وخثعم. أما كندة، ومنها الشاعر "امرؤ القيس"، فلا نجد لها ذكرًا في هذه اللغات، وإن استشهد بشعر شاعرها وبشعر غيره من شعراء هذه القبيلة، وقد أشير إلى اليمن، ولكنهم لم يذكروا قصدهم منها، ويظهر أنهم أرادوا بهم أعراب اليمن، وهم مهاجرون في الأصل هاجروا من باطن الجزيرة إلى اليمن بعد أن ضعف الحكم فيها على أثر تدخل الحبش في شئون اليمن وتقاتل الملوك بعضهم مع بعض، مما أفسح المجال للأعراب بدخول العربية الجنوبية، فكوّنوا قوة خطيرة فيها، أشير إليها في كتابات المسند بـ"وأعربهم". "وأعربهمو" كما أشرت إلى ذلك في الأجزاء السابقة من هذا الكتاب.

ولا تزال بعض اللهجات باقية، تتكلم بها القبائل على سليقتها الأولى، وآسف لأن أقول: إن علماء العربية في الوقت الحاضر، لم يوجهوا عنايتهم نحوها لدراستها قبل انقراضها وزوالها، مع أن دراستها من الأمور الضرورية بالنسبة لهم، لأنها تساعد في تعيين أصول العربيات وفي تثبيت المجموعات اللغوية العربية، وقد نستنبط منها أمورًا علمية كثيرة فات على علماء العربية القدامى يومئذ تسجيلها، لأنها لا تزال باقية، فبواسطة الطرق الحديثة في البحث يمكن العثور على ما فات على أولئك العلماء من أمور.


١ الرافعي، تأريخ آداب العرب "١/ ٣٤٤ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>