للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحجاز وغير أهل الحجاز من عرب الشمال. فقد اجتمع لقريش إذن سلطان سياسي واقتصادي وديني. وأخلق بمن تجتمع له هذه السلطات أن يفرض لغته على من حوله من أهل البادية. وبيئة ثالثة هي بيئة الطائف، كان لها شيء من السلطان الاقتصادي ولكنها لم تكن تداني البيئة المكية. وبيئة رابعة في شمال الحجاز، هذه هي البيئة العربية في يثرب وما حولها. ولكنا نظن أن أحدًا لا يفكر في أن يقول: إن هذه العربية الفصحى كانت لغة هؤلاء الناس من اليهود أو من الأوس والخزرج فضلًا عن أن هذه البيئة على ثروتها وقوتها لم تكن تداني قريشًا فيما كان لها من سلطان.

لغة قريش إذن هي هذه اللغة العربية الفصحى، فرضت على قبائل الحجاز فرضًا لا يعتمد على السيف وإنما يعتمد على المنفعة وتبادل الحاجات الدينية والسياسية والاقتصادية. وكانت هذه الأسواق التي يشار إليها في كتب الأدب، كما كان الحج، وسيلة من وسائل السيادة للغة قريش"١.

وبعد أن انتهى "الدكتور طه حسين" من إصدار قراره، قال: "ولكن ما أصل لغة قريش؟ وكيف نشأت؟ وكيف تطورت في لفظها ومادتها وآدابها حتى انتهت إلى هذا الشكل الذي نراه في القرآن؟ ". وكان جوابه على هذه الأسئلة قوله: "كل هذه مسائل لا سبيل إلى الإجابة عليها الآن، فنحن لا نعرف أكثر من أن هذه اللغة لغة سامية تتصل بهذه اللغات الكثيرة التي كانت شائعة في هذا القسم من آسيا. ونحن نكاد نيأس من الوصول في يوم من الأيام إلى تاريخ علمي محقق لهذه اللغة قبل ظهور الإسلام. وكيف والقرآن أقدم نص صحيح وصل إلينا في هذه اللغة، ونحن نرى اللغة فيه كاملة متقنة تامة التكوين قد تجاوزت الوجود الطبيعي إلى هذا الوجود الفني الراقي الذي يظهر في الآداب"٢.

وخلاصة رأي "الدكتور طه حسين" أن عربية قريش هذه، التي نزل بها القرآن الكريم، إنما سادت قبيل الإسلام، ولم تكن سيادتها تتجاوز الحجاز.

إذ يقول: "فالمسألة إذن هي أن نعلم: أسادت لغة قريش ولهجتها في البلاد العربية وأخضعت العرب لسلطانها في الشعر والنثر قبل الإسلام أم بعده؟ أما نحن


١ في الأدب الجاهلي "١٠٦ وما بعدها".
٢ في الأدب الجاهلي "١٠٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>