للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"خالد بن الوليد" لأصحاب عدي بن العبادي: "ويحكم! ما أنتم! أعرب؟ فما تنقمون من العرب! أو عجم؟ فما تنقمون من الانصاف والعدل! فقال له عدي: بل عرب عاربة وأخرى متعربة، فقال: لو كنتم كما تقولون لم تحادّونا وتكرهوا أمرنا، فقال له عديّ: ليدلك على ما نقول أنه ليس لنا لسان إلا بالعربية، فقال: صدقت"١. وقد كانت لهم مدارس تدرس العربية، كما تحدثت عن ذلك في موضع آخر، ومنهم أخذ أهل مكة كتابتهم، كما يذكر ذلك أهل الأخبار. فنحن نجد أن العرب كانوا يتكلمون على مقتضى سجيتهم التي فطروا عليها، ومع ذلك فقد كانوا يتفاهمون ويدركون المعاني، ولو كانوا من قبائل متباعدة، ومن أماكن متنائية. "قال ابن هشام في شرح الشواهد: كانت العرب ينشد بعضهم شعر بعض، وكل يتكلم على مقتضى سجيته التي فطر عليها، ومن ههنا كثرت الروايات في بعض الأبيات"٢.

ولما حاصر "خالد بن الوليد" الأنبار، "تصايح عرب الأنبار يومئذ من السور، وقالوا: صبح الأنبار شرٌ"٣. ولما اطمأن بالأنبار "وأمن أهل الأنبار وظهروا، رآهم يكتبون بالعربية ويتعلمونها، فسألهم: ما أنتم؟ فقالوا: قوم من العرب. نزلنا إلى قوم من العرب قبلنا"٤. فأهل الأنبار مثل أهل الحيرة عرب، كانوا يتكلمون العربية، وهي عربية فهمها خالد ومن كان معه من رجال قبائل، ولو كانت عربيتهم عربية قريش، لما سكتوا من النص عليها، لما في ذلك من تقرب إلى قريش. قال الأزهري: "وجعل الله -عزّ وجل- القرآن المنزل على النبي المرسل محمد، صلى الله عليه وسلم، عربيًّا؛ لأنه نسبه إلى العرب الذين أنزله بلسانهم، وهم النبي والمهاجرون والأنصار الذين صيغة لسانهم لغة العرب، في باديتها وقراها العربية، جعل النبي، صلى الله عليه وسلم عربيًّا؛ لأنه من صريح العرب، ولو أن قومًا من الأعراب الذين يسكنون البادية حضروا القرى العربية وغيرها، وتناءوا معهم فيها، سمّوا عربًا ولم يسمّوا


١ الطبري "٣/ ٣٦١"، "حديث يوم المقر وفم فرات بادقلي".
٢ المزهر "١/ ٢٦١".
٣ الطبري "٣/ ٣٧٤".
٤ الطبري "٣/ ٣٧٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>