للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلاطه بهم في العراق، واقتبسها إما ليحكي عما شاهده ورآه في العراق، فاستعمل الألفاظ الفارسية الشائعة هناك، وإما أن يكون قد تعمد إدخالها في شعرها لُيري الناسَ أنه حاذق بثقافة الفرس واقف على حضارتهم ولغتهم، كالذي يفعله بعض من يدرس في بلاد الغرب من استعماله ألفاظًا أعجمية في لغته ليلمح للناس بأنه قد تثقف بثقافة الأجانب، وتلك في نظره ميزة يفتخر بها على الناس.

وقد زعم أن الأعشى رحل إلى بلاد بعيدة، فبلغ عمان وحمص وأورشليم وزار الحبشة وأرض النبيط وأرض العجم، وقد ذكر ذلك في بيتين من الشعر١. وإلى زيارته هذه للعراق ولأرض العجم ينسب أهل الأخبار ورود الألفاظ الفارسية في شعره.

وفي بعض المعجمات وكتب اللغة مثل لسان العرب والمعرب للجواليقي، أبيات للأعشى يرد فيها وصف لأحوال الفرس وعرب العراق، وقد استعمل فيها ألفاظًا فارسية لها مناسبة وصلة بذلك الوصف. منها ما يتعلق بالملابس، ومنها ما يتعلق بالأشربة والخمور والأفراح، ومنها ما يتعلق بالمناسبات مثل الغناء والأعياد٢.

وشاعر آخر نجد في شعره معربات فارسية، هو "عدي بن زيد العبادي".

وهو من أهل الحيرة، المقربين إلى ملوكها وإلى الفرس، الحاذقين بالعربية وبلغة الفرس. وقد كان كاتبًا باللغتين، كما كان أبوه بليغًا باللسانين، وتولى رئاسة ديوان العرب عند الأكاسرة. وهو نصراني، ولهذا استعمل في شعره ألفاظًا نصرانية اقتبست من السريانية، وأشار بحكم نصرانيته على عادات نصرانية، كما كان حضريًّا مترفًا غنيًّا أدخل إلى بيته وسائل الترف والراحة المعروفة في ذلك اليوم، ولهذا فإن لجمع شعره جمعًا تامًّا ونقده وتحليله واستخراج صحيحه من منحوله أهمية كبيرة في إعطاء رأي عن الحياة الفكرية والثقافية لعرب العراق قبيل الإسلام.

وبعد، فإن اللغة التي بحثت عن وجود المعربات فيها، هي اللغة العربية التي


١
وطوفت للمال آفاقه ... عمان فحمص فأوريشلم
أتيت النجاشي في داره ... وأرض النبيط وأرض العجم
راجع ديوان الأعشى، المعرب "ص٣٢".
٢ المعرب "ص١٦، ١٨، ٥٣، ٧٢، ٧٩" ومواضع أخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>