للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلام، بسبب إبطاله لتلك العقائد، وإن بقي حشد منها في نفوس الناس إلى هذا اليوم، بسبب رسوخه في العقل والدم.

وفي القرآن قسم بالسماء، وبالعاديات، وبالتين والزيتون، وبغير ذلك١، ذهب المفسرون في سبب القسم بها مذاهب، ففسروا وتأولوا، ولو فكروا أن هذا النوع من القسم، هو أسلوب من أساليب العرب في القسم قبل الإسلام، وأن القرآن إنما نزل بلسان العرب، ولذلك اتبع طريقتهم في القسم، لأنه خاطبهم على قدر عقولهم وبلغتهم، عرفوا السبب، ولا زال الأعراب على سجيتهم القديمة في القسم بهذه الأشياء، يقسمون بها كما يقسم المتحضر بأعز شيء عنده.

والسجع في الواقع باب من أبواب الشعر، والمرحلة الأولى من مراحله، والبذرة التي أنبتت الشعر العربي. ويتكون من فقرات، وإذا أخذنا الشعر البدائي الذي يكون المرحلة الأولى من الشعر، نرى أنه لا يختلف اختلافًا كبيرًا عن السجع.

و"الكلام المسجع"، هو ضرب من ضروب الشعر عند غير العرب. وقد طوّر الشعراء السجع، وأوجدوا منه الشعر، وإذا درسنا أول الشعر العبراني، أو أوليات الشعر عند الشعوب السامية، وعند الشعوب الآرية، نجد أنه نمط من أنماط هذا الكلام الذي نسميه "السجع"٢. وهو لا زال يعد شعرًا عند كثير من شعوب هذا اليوم.

والمزاوجة والازدواج بمعنى واحد. وازدوج الكلام وتزواج أشبه بعضه بعضًا في السجع أو الوزن٣، والازدواج لون من ألوان الإفصاح عن الشعور بأسلوب من أساليب الأدب المنثور، أخف على النفس من السجع، وأسهل انقيادًا لأنامل الكتاب منه. وهو على كل حال لون من ألوانه، خفت قيود قوافيه، حتى صار على هذا الشكل. ومن الازدواج قول أحد بني أسد يخاطب رجلًا شيخًا مات ابن له: "اصبر أبا أمامة، فإنه فرط افترطته، وخير قدمته، وذخر أحرزته". فقال مجيبًا له: "ولد دفنته، وثكل تعجلته، وغيب وُعِدته، والله لئن لم أجزع النفس، لا أفرح بالمزيد"٤.


١ تفسير الطبري "٣٠/ ١٥٣ وما بعدها".
٢ Goldziher, History of classical Arabic Literature, P. ٨
٣ تاج العروس "٢/ ٥٥"، "زوج".
٤ البيان والتبيين "٢/ ١١٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>