للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين الشعر والسحر صلة، حتى ذهب بعض الباحثين في الشعر إلى أن الشعر هو فن من الفنون التي كان يمارسها السَّحرة في التأثير في مشاعر الناس، إذ كانوا يتخذونه وسيلة من وسائل التأثير في النفوس، لما يستعملونه فيه من كلام مؤثر ساحر يترك أثرًا خطيرًا في نفس سامعه. ولهذا عدُّوا السحرة في جملة أوائل من كان ينظم الشعر من القدماء، كما ذهب بعض الباحثين إلى أن الشعراء كانوا "أهل المعرفة" والفهم، لما كان لهم من ذكاء وصفاء ذهن في فهم تجارب الحياة، وفي نظم خلاصة تلك التجارب على شكل علم أو حكم تفيد في التهذيب وفي التوجيه وفي وعظ الناس، ولهذا كان لهم رأي في السياسة في السلم وفي الحرب.

وفي كتب الأدب والأخبار أمثلة كثيرة عن أثر الشعر في القبائل وفي الأشخاص من مدح وذم، يرينا كيف كان العرب يتأثرون به، وكيف كان يلعب دورًا خطيرًا في حياتهم، والعرب قوم عاطفيون، تلعب العاطفة دورًا خطيرًا في حياتهم، وما الشعر إلا نتيجة لهذا الطبع المتوارث في العربي. وقد كان أثر الشعر في المغازي وفي الحروب أثر السيف في الخصوم، يحرض المقاتلين على الاستبسال في الحروب ولما وقعت الوقائع بين المسلمين والفرس، لعب الشعر والنثر دورًا خطيرًا ففي يوم "أرماث" مثلا، أرسل سعد إلى قادة الكلام، من رجال والشعر، يدعوهم إلى استخدام سلاحهم في هذه المعارك، فكان ممن حضر عنده طليحة، وقيس بن هبيرة الأسدي، وحذيفة، وغالب، وعمرو بن معديكرب، وابن الهذيل الأسدي، وعاصم بن عمرو، وربيع بن البلاد السعدي، وربعي بن عامر وهم من الخطباء، والشماخ، والحطيئة، وأوس بن مغراء، وعبدة بن الطيب وأمثالهم، وهم من الشعراء، فلما تجمعوا، قال لهم سعد: "قوموا في الناس بما يحق عليكم ويحق عليهم، عند مواطن البأس، فإنكم من العرب بالمكان الذي أنتم به، وأنتم شعراء العرب وخطباؤهم وذوو رأيهم ونجدتهم وسادتهم، فسيروا في الناس، فذكروهم وحرضوهم على القتال"١. فالشعر سلاح ماضٍ عند العرب، مثل الأسلحة الأخرى وربما كان أمضى منها أثرًا في نفوسهم لما كان يفعله فيهم، وكذلك النثر من أثر في النفوس يحملهم


١ الطبري "٣/ ٥٣٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>