للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تقدر بثمن، وربما زادت فائدة هذا الشعر من الوجهة التأريخية على فائدته من الوجهة الأدبية، لأنه حوى أمورًا مهمة من أحداث العرب الجاهليين، لم يكن في وسعنا الحصول عليها لولا هذا الشعر١.

ولكن كثيرًا من هذا التراث الذي أريد تخليد عمل العرب به قد ضاع، قبل الإسلام، بسب عدم تدوينه وتخليده في كتاب واعتماد الناس في روايته على الحافظة وحدها، والحافظة لا تحفظ المحفوظ لأمد طويل، فضاع منه ما ضاع، ووصل بعض منه بصورة يرتاب منها، وآفة كل ذلك هو المرض الذي يصيب الذاكرة: مرض النسيان. قال ذو الرُّمة لعيسى بن عمر: اكتب شعري، فالكتاب أحب إليَّ من الحفظ. لأن الأعرابي ينسى الكلمة وقد سهر في طلبها ليلته، فيضع في موضعها كلمة في وزنها، ثم ينشدها الناس، والكتاب لا ينسى ولا يبدل كلامًا بكلام"٢.

والشعراء الجاهليون كثيرون، ونجد في كتب اللغة والمعاجم، أسماء شعراء، لم يرد لهم خبر في موارد أخرى، ذكروا لمناسبة الاستشهاد بشعرهم، ونجد في كتب السير والرجال أسماء رجال لهم شعر، لم يرد اسمهم في كتب الشعر. قال ابن قتيبة: "والشعراء المعروفون بالشعر عند عشائرهم وقبائلهم في الجاهلية والإسلام، أكثر من أن يحيط بهم محيط أو يقف من وراء عددهم واقف، ولو أنفد عمره في التنقير عنهم؛ واستفرغ مجهوده في البحث والسؤال. ولا أحسب أحدًا من علمائنا استغرق شعر قبيلة حتى لم يفته من تلك القبيلة شاعر إلا عرفه، ولا قصيدة إلا رواها"٣.

وأنت إذا قرأت بعض الكتب مثل كتاب: "الاشتقاق"، و"المحبر"، وكتب المجالس والأمالي والشواهد، تجد أمامك أسماء عدد كثير من الشعراء الجاهليين، لم يرد اسمهم في كتب الشعر الجاهلي، ولم يحفل بهم علماء الشعر مع أنهم كانوا في أيامهم من الشعر المعروفين، وقد نص على أنهم كانوا من الشعراء.


١ Charles James Lyall, Ancient Arablan Poetry, London, ١٩٣٠, p. Introduction.
٢ الحيوان "١/ ٤١"، "نعت الكتاب".
٣ الشعر والشعراء "١/ ٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>