للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالشاعر يبدأ بتذكر الديار وبالبكاء على الأحبة وعلى من فارقهم، فيدفعه ذلك إلى الوصف، بأبيات يجعلها مقدمة لغرض آخر، فهي إذن مقدمة، وليست غاية، ثم هو إذا افتخر وأراد الإشادة بنفسه وبما قام به من عمل بطولي، لم يصف نفسه وصفًا شاملا عامًّا، وإنما يصف من نفسه بعض ما يعجبه وما يريد التبجح به، من مغامرات عجيبة قام بها، ومن صبر وتحمل للجوع وللمشقات وللأهوال ومن عدم تهيب من اقتحام الصحاري الموحشة المخوفة، وحده، لأنه لا يرهب أحدًا، ولا يخشى وحشًا، فإذا جابهه وحش، وصفه وصفًا، لا يتعدى النوحي الخاصة التي يراها تظهر شخصيته وتبرز شجاعته ثم يبالغ في وصف المخاطر والمهالك التي لم يبال بها، للوصول إلى هدفه١. وهو إذا اصطاد صيدًا، بالغ في الجهد الذي صرفه في صيده، ونوَّه بجودة حصانه، وبالطريقة التي صاد بها فريسته.

وهو إذا أراد مدح إنسان، قدم لمدحه مقدمة تزيد على شعر المدح في الغالب، يذكر فيها الأهوال والمخاطر وحر الشوق، والتلهف الشديد وما شاكل ذلك من أمور، لتكون شرح حال له يبين مبلغ حبه له وإخلاصه لمن سيمدحه، ذي الجود والكرم والسخاء، الذي يجود بماله وبما عنده، ولا يحسب لنفسه ولأهله حسابًا، يجود خاصة في السنة الجماد، وفي مواسم القحط والبرد الشديد حيث تموت الماشية والأنعام، ومع ذلك فإن الممدوح، لا يعبأ بكل ذلك، ويسخر من الخوف من العواقب السيئة التي ستحيق به إن بذل ماله. وقد يبالغ الشاعر نفسه، ويشيد بسخائه وجوده، ويتخذ من ذلك قصص شجار يقع بينه وبين زوجه في الغالب، يشاركها ولدها فيه، بسبب تبذير الرجل لما عنده من مال، وعدم اهتمام بما سيحيق بأهله من جوع وفقر.

وهو إذا تغزل، فوصف محبوبته، فإنما يصف منها ما يلفت نظره، من أجزاء في الجسد، أو لون أو ما شاكل ذلك مما يلفت نظره، وقد يقارن بينها وبين بعض الحيوانات التي تعجبه مثل المها والظباء، والخيل والعقبان، وقد زعم


١ غرونباوم "١٦٠ وما بعدها".
G. E. Von Grunebaum, Die Wirklichkelte der Fruh-arabisch Dichtung, Wien, ١٩٣٧, s. ١٤٨. f.

<<  <  ج: ص:  >  >>