للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل الأخبار أن "امرأ القيس" كان قد سبق العرب إلى أشياء ابتدعها استحسنتها العرب واتبعه فيها الشعراء، منها أنه شبه النساء بالأمور المذكورة، فصار تشبيه هذا لهن سنة لمن جاء بعده من قالة الشعر١. وقد يصف الليل وشدة طوله وسهره فيه ومبلغ ما ألَمَّ به من أرق لفراق محبوبته، أو من شدة تذكره لها، وقد يذكر حزنه على فراقها وكيف أنه كان يقضي لياليه ساهرًا يناجي نجوم السماء، ويعدها، ينتظر ذهاب كابوس ليله عنه حتى يتراءى له نور الصباح، وفيه الأمل والرجاء. ووصفه كله، ليس وصفًا كليًّا عامًّا محيطًا، وإنما وصف جزئي، جاء تعبيرًا عن خاطر الشاعر ومحاكاة للطريقة التقليدية التي توارثها الشعراء بعضهم عن بعض. وقد برز بعض الشعراء في وصف بعض الحيوانات، كما أشرت إلى ذلك في مواضع سابقة، فقد اشتهر "أبو دؤاد" بوصف الخيل، حتى صيِّر بطل الشعراء في هذا الميدان، واشتهر النابغة الجعدي بوصف الفرس، واشتهر أوس ابن حجر بوصف الخمر، وعرف علقمة بن عبدة بوصف النعامة٢. وقد وصف غيرهم من الشعراء هذه الحيوانات وغيرها، كما نجد ذلك في الأشعار المنسوبة إليهم.

ومن أبرز المواضيع التي تطرَّق إليها الشعراء في وصفهم لمظاهر الطبيعة: المطر، والنخيل، والسحب، ومشاهد من فصول الشتاء، والغدران ومواضع المياه وللسيول والنحل والعسل البري، وبعض الصخور الغريبة، والطيور، أما البحر والسفن، فيردان على لسان الشعراء الساكنين على السواحل، حيث يرون البحر وسفنه٣. ولكننا لا نجد وصفًا خاصًّا بهما، يظهر فيه تأثر الشاعر وإحساسه بالبحر، أو بالسفن، من حيث هي سفينة، وإنما ذكر وهمًا عرضًا على سبيل الفخر، ولأمور عرضية أخرى. فالوصف الجاهلي لعناصر الطبيعة خاليًا من المشاعر الخاصة، ومن التصورات المعبرة عن إلهام الشاعر الذاتي٤.

وذكر أن من الشعراء من كان يتأله في جاهليته ويتعفف في شعره، ولا يستبهر بالفواحش ولا يهتم في الهجاء، ومنهم من كان ينعي على نفسه ويتعهر،


١ ابن سلام، طبقات "١٦ وما بعدها".
٢ ابن سلام، طبقات "٢٧"، الأغاني "١٥/ ٩٣".
٣ غرونباوم "١٦٢".
٤ غرونباوم "٦١".

<<  <  ج: ص:  >  >>