للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بذهاب فعله في المعركة، فلا يترك ما يتركه شعر المديح أو الهجاء من أثر في النفوس، يهيجها حين يذكر، وكان من أثره أن القبائل كانت إذا تحاربت جاءت بشعرائها، لتستعين بهم في القتال. فلما كان يوم أُحُد، قال صفوان بن أمية لأبي عمرو بن عبد الله الجمحي: "يا أبا عزة إنك امرؤ شاعر فأعنا بلسانك، فاخرج معنا. فقال: إن محمدًا قد من عليَّ فلا أريد أن أظاهر عليه، قال: فأعنَّا بنفسك فلك الله عليَّ أن رجعت أن أغنيك، وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر، فخرج أبو عزة يسير في تهامة ويدعو بني كنانة شعرًا إلى السير مع قريش لمحاربة المسلمين١.

وكان الرسول شاعره حسان بن ثابت يدافع عن الإسلام والمسلمين، وكان للمشركين من أهل مكة شاعرهم "عبد الله بن الزبعري" يرد عليه ويهاجم المسلمين في السلم وفي المعارك، وقد دوَّنت كتب السير والأخبار والتواريخ أشعارهم وما قاله أحدهم في الآخر، وقد فات منه شيء كثير، نص رواة الشعر على أنهم تركوه لما كان فيه من سوء أدب وخروج على المروءة. وكان إلى جانب الشاعرين شعراء آخرون، منهم من ناصر المسلمين لأنه كان منهم، ومنهم من ناصر المشركين لأنه كان منهم، بل كان المحاربون إذا حاربوا، فلا بد وأن يبدءوا حربهم بتنشيطها وبتصعيد نارها برَجَزٍ أو بقَرِيْضٍ.

ومن خوفهم من لسان الشاعر، ما روي من فزع أبي سفيان، لما سمع من عزم الأعشى على الذهاب إلى يثرب ومن إِعْدَادِه شعرًا في مدح الرسول، ومن رغبته في الدخول في الإسلام. فجمع قومه عندئذ، وتكلم فيما سيتركه شعر هذا الشاعر من أثر في الإسلام وفي قريش خاصة إن هو أسلم، ولهذا نصحهم أن يتعاونوا معه في شراء لسانه وفي منعه من الدخول في الإسلام بإعطائه مائة ناقة فوافقوا على رأيه وجمعوا له ما طلبه، وتمكن أبو سفيان من التأثير عليه، فعاد إلى بلده "منفوحة" وما بها دون أن يسلم٢.

قال الجاحظ: "ويبلغ من خوفهم من الهجاء ومن شدة السب عليهم، وتخوفهم أن يبقى ذكر ذلك في الأعقاب، ويسبّ به الأحياء والأموات، أنهم


١ الروض الأنف "٢/ ١٢٦ وما بعدها"، "غزوة أحد".
٢ الشعر والشعراء "١٣٦ وما بعدها"، زيدان، آداب "١/ ١١٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>