للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا أسروا الشاعر أخذوا عليه المواثيق، وربما شدُّوا لسانه بنسعة، كما صنعوا بعبد يغوث بن وقاص الحارثي حين أسرته بنو تيم يوم الكلاب١. وعبد يغوث بن وقاص، شاعر قحطاني، كان شاعرًا من شعراء الجاهلية، فارسًا سيد قومه من بني الحارث بن كعب، وهو الذي قادهم يوم الكلاب الثاني فأسرته بنو تيم وقتلته، وهو من أهل بيت شعر معروف في الجاهلية والإسلام، منهم اللجلاج الحارثي، وهو طفيل بن زيد بن عبد يغوث، وأخوه مسهر فارسٌ شاعرٌ، ومنهم من أدرك الإسلام: جعفر بن علية بن ربيعة بن الحارث بن عبد يغوث"، وكان شاعرًا صعلوكًا٢.

ولما مدح الحطيئة "بغيض بن عامر بن لاي بن شماس بن لاي بن أنف الناقة"، واسمه جعفر بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وهجا "الزبرقان"، واسمه الحصين بن بدر بن امرئ القيس بن خلف بن عوف بن كعب، صاروا يفخرون ويتباهون بأن يقال لهم "أنف الناقة"، وكانوا يعيرون به ويغضبون منه، ويَفْرَقُون من هذا الاسم، حتى إن الرجل منهم كان يسأل مِمَّن هو فيقول من "بني قريع" فيتجاوز جعفرًا أنف الناقة، ويلغي ذكره فراراً من هذا اللقب، إلى أن قال الحطيئة هذا الشعر فصاروا يتطاولون بهذا النسب ويمدون به أصواتهم في جهارة، إذ قال:

قوم هم الأنفُ والأذنابُ غيرهمُ ... ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا٣

وقد تعزز الأعشى على قومه، وبين مكان فضله عليهم، إذ كان لسانهم الذاب عنهم المدافع عن أعراضهم، الهادي لأعدائهم بشعر هو كالمقراض يقرض أعداء قومه قرضًا.

وأدفع عن أعراضكم وأعيركم ... لسانًا كمقراض الخافجي ملحبا٤


١ البيان والتبيين "٤/ ٤٥".
٢ الخزانة "١/ ٣١٧"، "بولاق".
٣ قوم هم الأنف والأذناب غيرهم
ومن يساوي بأنف الناقة الذنبا
البيان والتبيين "٤/ ٣٨"، "هارون"، الاشتقاق "١٥٦"، زهر الآداب "١/ ١٩". الخزانة "١/ ٥٦٧"، العمدة "١/ ٥٠".
٤ ديوان الأعشى "١١٧"، القصيدة "١٤" البيت "٣١".

<<  <  ج: ص:  >  >>