للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر أن بني تغلب كانوا يعظمون معلقة عمرو بن كلثوم ويروونها صغارًا وكبارًا، حتى هجاهم شاعر من شعراء خصومهم ومنافسيهم: بكر بن وائل، إذ قال:

ألهي بني تغلب عن كل مكرمة ... قصيدة قالها عمرو بن كلثوم

يروونها أبدًا مذ كان أولهم ... يا للرجال لشعر غير مسئوم١

ولسلاطة ألسنة بعض الشعراء، ولعدم تورع بعضهم من شتم الناس ومن هتك الأعراض، ومن التكلم عنهم بالباطل، تجنب الناس قدر إمكانهم الاحتكاك بهم، وملاحاتهم والتحرش في أمورهم، خوفًا من كلمة فاحشة قد تصدر منهم، تجرح الشخص الشريف فتدميه، وجرح اللسان كجرح اليد، كما عبر عن ذلك امرؤ القيس أحسن تعبير٢. ولأمر ما قال طرفة:

رأيت القوافي تتلجن موالجا ... تضايق عنها أن تولجها الإبر

وفي هذا المعنى دون الجاحظ هذه الأبيات:

وللشعراء ألسنة حداد ... على العورات موفية دليله

ومن عقل الكريم إذا اتقاهم ... وداراهم مدارة جميلة

إذا وضعوا مكاويهم عليه ... وإن كذبوا- فليس لهن حيله٣

وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عالمًا بالشعر، قليل التعرض لأهله: استعْدَاهُ رهط تميم بن أبي مقبل على النجاشي لما هجاهم، فأسلم النظر في أمرهم إلى حسان بن ثابت، فرارًا من التعرض لأحدهما، فلما حكم حسان أنفذ عمر حكمه على النجاشي كالمقلد من جهة الصناعة، ولم يكن حسان -على علمه بالشعر- أبصر من عمر -رضي الله عنه- بوجه الحكم، وأن اعتل فيه بما اعتل"٤.


١ الأغاني "١١/ ٥٤"، الاشتقاق "٢٠٤"، وقد روي هذا الشعر بأوجه مختلفة، البيان والتبيين "٤/ ٤١".
٢ العمدة "١/ ٧٨".
٣ العمدة "١/ ٧٨".
٤ العمدة "١/ ٥٢، ٧٦"، "باب تعرض الشعراء".

<<  <  ج: ص:  >  >>