ولكننا خلقنا إذ خلقنا ... لنا الحبرات والمسك الفتيت
وكان عبد الله بن الزبعري قد قال حين أطلقه حمزة:
لعمرك ما جاءت بنكر عشيرتي ... وإن صالحت إخوانها لا ألومها
فود جناة الشرّ أن سيوفنا ... بأيماننا مسلولة لا نشيمها
فإن قصيًّا أهل عزّ ونجدة ... وأهل فعالٍ لا يُرامُ قديمها
هم منعوا يومي عُكاظ نساءنا ... كما منع الشول الهجان قرومها١
ونظرًا لأثر شعر الهجاء في الناس، من أفراد وقبائل، صاروا يصطنعون الشعراء ويحسنون جهدهم إليهم خشية ألسنتهم، يفعلون ذلك بشعرائهم وبشعراء القبائل الأخرى ممن يخشون سلاطة ألسنتهم. يفعلون ذلك حتى إذا كان الشاعر قد أساء إليهم، على أمل التكفير عن ذنبه، بمدحهم بشعر ينفي أثر ما قاله فيهم من هجاء. حتى إنهم كانوا يعفون عن شاعر قد يقع أسيرًا في أيديهم، إذا أعطاهم العهود والمواثيق ألا يعود إلى هجوهم، وألا يقول شعرًا في ذمهم. وقد يغدقون عليه بالهدايا والألطاف تأليفًا للسانه، وأملا في مدحه لهم، والقاعدة عندهم أن أثر الهجاء يمحوه المدح.
وبين الشعر الجاهلي والشعر والإسلامي فروق واضحة في الأسلوب وفي الاتجاه وفي الجزالة واختيار الكلمات، اقتضتها طبيعة اختلاف الزمان وتغير الحال واتصال العرب بغيرهم، وخلود أكثرهم إلى الحضارة، إلى غير ذلك من أسباب.
ومما امتاز فيه الشعر الجاهلي عن الشعر الإسلامي، هو أن شعراءه كانوا من العرب، إلا بضعة شعراء، كانوا من أصل خليط، مثل الأغربة، الذين كانت أمهاتهم من أصل إفريقي ولا أعلم اسم شاعر جاهلي، يرجع أصله إلى فارس أو الروم، إلا ما ذكره ابن الكلبي من أمر "خرخسرة". أما في الإسلام فقد زاحم الفرس بصورة خاصة العرب على تراثهم التليد، وهو الشعر، برز منهم فيه فحول، طوروا الشعر ولونوه، وأضافوا إليه معاني جديدة، اقتضتها