على هذه الموسيقى، حتى لا يقع تنافر فيها، فتبدو متنافرة نابية على السمع، فلا تعدُّ شعرًا من صميم الشعر.
ويدخل "الترنيم" في باب الشعر الذي يقرأ مع الموسيقى، وتعد الأمثال في جملة أنوع الشعر. ونظرًا لعدمِ وجود نصوص شعرية في العبرانية، وفي اللغات السامية، مدوَّنة بصورة واضحة تبين مقاطعها كيفية التغني أو النطق بها، ونظرًا لجهلنا أصول الإيقاع عند القدماء وطرق الغناء التي تغنى بها، ليس من السهل علينا في الوقت الحاضر إبداء رأي واضح عن الشعر عن قدماء الساميين، وفي جملتهم العرب بالطبع.
فنحن لا نعرف اليوم عن الشعر العربي القديم، الذي سبق الإسلام بعصور كثيرة، أي شيء. وليس في النصوص الجاهلية التي وصلت إلينا، نص فيه شعر أو فيه تلميح عنه. وكل ما يقال عنه، هو حدس وتخمين وظن وقياس قيس على ما نعرفه عن الشعر عند بقية الساميين، وما نعرفه عن ذلك الشعر هو بحد ذاته شيء قليل. وما لم يعثر على نصوص شعرية جاهلية، فإن من غير الممكن التحدث عنه بشيء ذي بال.
والشعر هو شعور وتعبير عن أحاسيس وخواطر قائله، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من أن يتناسب مستواه من الرقي أو السَّذَاجة مع مستوى الشاعر العقلي. ومعنى هذا أنه بدأ ساذَجًا بسيطًا، ثم نما وتطور بنمو وتطور عقل قائله. وعلى هذا فشعر كل أمة بدأ كما يبدأ كل مولود ساذجًا بسيطًا، ثم نما وتطور، وهو لا يزال يتطور ما دام العقل الإنساني خاضعًا لسنة التطور، وما دام الإنسان حيًّا. ولد من هذا الكلام الاعتيادي المرسل المنثور، بأن ميز عنه بعض التمييز، ثم زادت هذه الميزات أو العلامات الفارقة، حتى صار صنوًا للنثر، بحيث صار الكلام نثرًا ونظمًا.
وقد أشير إلى الشعراء في العهد الجديد، أي في الإنجيل. ورد في "أعمال الرسل""لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد. كما قال بعض شعرائكم أيضًا"١ مما يدل على أهمية الشعراء في ذلك العهد.