للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستجدون به أصحاب البيت والناس الذين قد يجتمعون حولهم لسماع الغناء. وقد يكون هؤلاء من ترسبات أولئك الشعراء الجاهليين.

وقد بدأ الشعر بداية أي شعر آخر، بدأ بداية بسيطة، بدأ جملا مُقَفَّاة، الكلام فيه يوالي بعضه بعضًا على روي واحد. أي سجعًا١. أو كلامًا يشبهه، فيه نغم وإيقاع وتعبير عن إحساس. ثم تَفَنَّن فيه، وزيدت أنغامه، أي بحوره وأغلبها من الأنغام البسيطة السهلة، المتناسبة مع الحياة الأولية، ثم تقدم بتقدم الحياة، واتخذ صورًا متعددة تتناسب مع حياة الأمم وظروفها وعقلياتها، وماتت أوزان، وتولدت أوزان، وظهرت فيه أساليب عند أمة، لم تعرف عند أمم أخرى، لاختلاف الحياة والأذواق والأجواء التي يولد فيها الإنسان.

والشعر الجاهلي الواصل إلينا، إما أبيات، نسبت إلى شعراء، وقد لا تنسب، وإما جملة أبيت يقال لها: قطعة، Fragment"، وإما "قصيدة" "Ode" وهي ما زاد عدد أبياتها على حدود القطعة التي رسمها لها علماء الشعر.

وقد لعب السجع دورًا هاًًّا في حياة الجاهليين، تكلم به الكهان بصورة خاصة. ولهذا اشتهر وعرف باسمهم فقيل: سجع الكُهَّان، ونطق به الخطباء، وقد تعمقوا فيه فاستعملوا أقصى ما ملكته بلاغتهم من أساليب التأثير على النفوس، لسحر عقول المستمعين لهم. فصار نوع من أنواع الكلام المقفى، ظاهره القافية والروي، وباطنه سحر معاني الشعر. فهو في الواقع شعر مقفى ينقصه الوزن ليكون شعرًا تامًّا. والروي حرف القافية، الحرف الذي تبنى عليه القصيدة، ويلزم في كل بيت منها في موضع واحد٢. فلما أضيف إليه النغم، أي الوزن صار شعرًا، له أوزان وبحور، عل نغمها ينظم الشاعر شعره.

والسجع، وإن ظهر في عربيتنا كلام مقفى خالٍ من الوزن، إلا أنه في الواقع كلام موزون، روعي فيه، أن يكون الشطر الثاني من الجملة موازٍ أي مساوٍ للشطر الأول منها، بحيث يكون بوزنه وبقافيته. ومن هنا عدَّ شعرًا عند الأمم الأخرى لأنك إذا قرأت السجع الأصيل المعتنى به، أو السجع الذي استرسلت به السليقة، والخارج من قلب إنسان ذي حس مرهف، تجد فيه الميزان الصحيح


١ تاج العروس "٥/ ٣٧٥"، "سجع".
٢ تاج العروس "١٠/ ١٥٩"، "روي".

<<  <  ج: ص:  >  >>