للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في القرآن آيات، إذا تأملت فيها وجدتها وكأنها شعر منظوم، أو من قبيل الشعر المنثور. مثل سورة الانفطار: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ، وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ، وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ، وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} ١

والجواب على ذلك، أن ما نجده في القرآن من آيات تبدو وكأنها شعر موزون، هو من قبيل ما يقع في كلام الناس عفوًا ومن غير تعمد من كلام، أو تأملت فيه وجدته كلامًا موزونًا، ولكن لم يقصد به أن يكون شعرًا، والشعر لا يعدُّ شعرًا إلا إذا كان قد صدر عن تفكر وعمل خاطر، وإعمال رأي، ومن رجل اتخذ الشعر صنعة له.

وليس لدى أحد علم بكيفية تطور الشعر العربي من حالته البدائية إلى بلوغه درجة البحور. ولا يستطيع أحد إثبات أن هذه البحور التي ثبتها الخليل والأخفش، وحدَّداها، هي كل بحور الشعر الجاهلي، فربما وجدت بحور أخرى لم يصل خبرها إلى علم هذين العالمين أو غيرهما، ولا سيما في الشعر القبلي الذي لم يشتهر أمره، ولم يعرف إلا بين السواد، ومنه الشعر العامي، أي الشعبي، أو المحلي، المنظوم باللهجات الخاصة، إذ لا يعقل عدم وجود شعر شعبي في ذلك العهد، نظمه سواد الناس، على غرار الشعر العامي الذي يقال له الشعر النبطي في جزيرة العرب، فالشعر هو شعور، ولا يقصر الشعور على طبقة من الناس دون أخرى.

ونحن لا نملك في الوقت الحاضر تعريفًا علميًّا للشعر، نستطيع أن نقول بجزم وبتأكيد أنه من تحديد الجاهليين له. والتعريف المألوف له، هو كما ذكرت تعريف إسلامي محض. وقد رأينا كيف احترس علماء التفسير في تعريفه، فقيدوه بكونه "الكلام المقفى الموزون قصدًا" لإخراج ما وقع موزونًا من الكلام اتفاقًا


١ [سورة الانفطار، ٨٢، الآية: ١- ٥] .

<<  <  ج: ص:  >  >>