للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورثاية، ومرثاة، ومرثية، بمعنى بكيته وعدَّدت محاسنه، أو نظمت فيه شعرًا، والمراد به المدح١. وهو من أبواب الشعر المهمة كذلك، لما كان لرثاء الميت من أهمية كبيرة عند أهل الجاهلية. وقد كانوا يوصون أهلهم بأن يقيموا النياحة عليهم، ليقال فيما يقال من الشعر في حقهم٢. ونجد في الشعر الجاهلي قصائد وأشعارًا في الرثاء. وقد نبغت النساء الراثيات في هذا الباب، واستنبطن فيه أساليب بديعة لم يتنبه لها الفحول لما طبعن عليه من رقة الطباع وشدة الجزع في المصائب، وصدق الحس، ورقة العاطفة٣. وقد جمع الأب لويس شيخو مراثي الشاعرات الجاهليات، في كتاب، جمع فيه مراثي إحدى وستين شاعرة عدا شعر الخنساء. والخنساء، هي من أشهر شاعرات الرثاء، اشتهرت برثاء أخويها: صخر ومعاوية٤.

وشعر الرثاء وإن كان من واجب النساء النائحات في الغالب، وقد بلغ الغاية في شعر "الخنساء"، إلا نه كان من واجب الشعراء كذلك. فلكثير من الشعراء رثاء لآبائهم ولإخوانهم ولأقاربهم ولأصدقائهم ولذوي الفضل عليهم، وقد ترك أوس بن حجر جملة مراثي رائعة، وترك غيره قصائد في رثاء الملوك وسادات القبائل والآباء والأخوة، ويلاحظ أن رثاء الشعراء إنما كان في رثاء الأموات الرجال في الغالب، وذلك نابع عن طبيعة المجتمع، التي تمجد الرجل، ولا ترى ذكر النساء الحرائر إلا في المدح والفخر.

أما شعر التوجع والتألم "elegies" و"threnody" الذي نجده في كتاب "المراثي" "Lamentations Book"، المنظوم في الكارثة التي أنزلها "بختنصر" في اليهود عام "٥٨٦" قبل الميلاد، فلا نجد مثله في الشعر الجاهلي، إنما نجد أبيات في النكبات التي كانت تحل بالقبائل بسب الغارات والغزوات، وأروعه ما جاء في رثاء قتلى بدر. وهو ذو طابع شخصي في أكثر الأحيان، إذ يدور حول انفعال الشاعر وتأثره لمصرع شخص كان يحبه أو يقدره. ويدخل ما وضع


١ تاج العروس "١٠/ ١٤٤"، "رثي".
٢ Goldziher, Historyof Classical Arabic Literature, p. ٩.
٣ لويس شيخو، رياض الأدب في مرائي شواعر العرب "ص١"، "بيروت ١٨٩٧م"،
٤ كارلو نالينو "٨١".

<<  <  ج: ص:  >  >>