من شعر حول تخرب سد مأرب، وأمثال ذلك في هذا الباب بالطبع.
وقد رثي بعض الشعراء أنفسهم حين شعروا بدنو أجلهم، ونجد في كتب الشعر والأدب شعرًا من هذا النوع، فكأن الشاعر أراد أن يفتتح به رثاء الراثيات والنائحات، ليكون لهن مقدمة ينسجن عليها شعرهن في رثائه.
وتعد المراثي من عيون الشعر والتراث الخالد عند الشعوب القديمة، ولازال الناس يقيمون للرثاء وزنًا كبيرًا، لأنه تخليد وتقدير لشأن الميت. ونجد في الأدب القديم مكانة كبيرة له فيه. وفي التوراة وصف لرثاء الناس لموتاهم. وهو سجع أو رجز يناسب ظروف الميت وحاله ومكانته، يرنم بأنغام حزينة مؤثرة، ومنه جاء شعر المراثي. ويلاحظ أن شعر الرثاء في العربية لا يختلف من حيث الوزن عن بقية الشعر، فهو يقال في كل البحور، والفرق بينه وبين غيره هو في المعنى، وفي غلبة التوجع والألم فيه على المعاني الأخرى.
ولم يصل إلينا شعر جاهلي طويل، مؤلف من مئات أو آلاف من الأبيات، مثل الشعر القصصي الذي نجده عند الشعوب الآرية في سرد حكايات الآلهة والأبطال والحروب ونحو ذلك، ومثل الشعر الغنائي "Lyrique"، ومثل الشعر التمثيلي "Dramatique"، الذي يستند على التمثيل والحوار والغناء، وشعر الجاهليين شعر قصير في الغالب، لا تتجاوز القصيدة فيه، وهي أطول قطعة من الشعر مائة بيت.
أما القصة الشعرية القصيرة، فنجدها في قصيدة الأعشى التي وصف فيها وفاء السموأل. ونجد في شعر عدي بن زيد قصصًا قصيرة عن أحداث تأريخية، أوردها في شعره على سبيل العظة والاعتبار، كما نجد في شعر أمية بن أبي الصَّلت قصصًا، أخذ بعضه من قصص أهل الكتاب، وأخذ بعضًا آخر منه من أساطير العرب القديمة. وكل هؤلاء هم ممن نستطيع أن نقول عنهم: إنهم من الحضر، أو من المتأثرين بعقلية أهل القرى والحضارة. ويمكن عد قصة الأعشى عن السموأل من هذا النوع المسمى "Ballad" في الإنكليزية. ويرى بروكلمن أن محاولة الأعشى إنشاء شعر القصة La ballade واختراع أسلوب الملحمة، في إشادته بوفاء السموأل، فقد بقيت عملا فذًّا لم ينسج أحد على منواله"١.