ويجب ألا ننسى شعر المعارك والحروب، وهو شعر نستطيع أن نسميه شعر "الحماسة"، فالعادة عند العرب أنهم ينشدون الشعر عند الغزو وفي أثنائه، وفي المعارك والحروب. فالمقاتل حين يندفع بين المحاربين ليقاتل خصمه، ينشد شعرًا يفتخر فيه بنفسه وبعشيرته وبقبيلته، ويكون في الغالب من الرجز، لأنه شعر سهل مطاوع، يصلح لمثل هذه المواقف، ونجد في أخبار الأيام وفي الفتوح الإسلامية شعرًا وافرًا من شعر المعارك من الرجز ومن بحور الشعر الأخرى.
ومن أبواب الشعر عندهم شعر الوصايا والحكم. فنجد بين الشعر المنسوب إلى الجاهليين شعرًا فيه وصايا يوصي الشاعر بها ولده وأقاربه أو عشيرته بخلاصة ما حصل عليه ذلك الشاعر في حياته من تجارب. كما نجد بينه حكمًا عرف بها بعض الشعراء مثل زهير بن أبي سُلْمَى، والأفوه الأودي وآخرون.
وقد تغنى الجاهليون بشعرهم، فكانوا ينشدونه بنغم خاص، قد يصحب بآلة موسيقية، وقد يشربون ويغنون، أو يسمعون مغنيًا يغنيهم بشعر فلما انتهى "خالد بن الوليد" إلى "سوى" وأهله من بهراء، وجد ناسًا منهم يشربون خمرًا لهم في جفنة قد اجتمعوا عليها، ومغنيهم يقول:
ألا عللاني قبل جيش أبي بكر ... لعل منايانا قريب وما ندري١
ونجد في الأخبار أن ملوك الحيرة والغساسنة والأثرياء كانوا يستمعون إلى الغناء وهو شعر ينشد على نغم، توقعه قينة على آلة من آلات الموسيقى، مثل الصنج والبربط، والدُّف، والْمِزْهَر، وآلات أخرى أخذت من الروم والفرس، وقد سبق أن تحدثت عن وجود قينتين بمكة كانتا لعبد الله بن جدعان، تغنيان له، واتخذ غيره من الموسرين والشعراء قِيانًا، يغنين لهم الأغاني، وأكثرهن من الموالي من روم وفرس.
والغناء كلام يجب أن يتماشى من النغم، ولهذا ينظم نظمًا يتناسب مع الإيقاع.
ونجد عند اليونانيين شعرًا ينظم للغناء خاصة، يقال له: الشعر الغنائي "Lyric"،
١ الطبري "٣/ ٤١٧"، فتوح البلدان "١١٨"، "ذكر شخوص خالد بن الوليد إلى الشام وما فتح في طريقه".