للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يختلف عن الشعر المألوف الذي لا يمكن أن يتغنى به دائمًا لثقله، وعدم اتساقه مع الإيقاع. ونجد في التوراة شعرًا نظم خصيصًا للإنشاد والتغني به، وهو يختلف في نظمه عن الشعر المألوف.

ولم يُشِر أهل الأخبار إلى وجود شعر من هذا النوع عند الجاهليين، وإن ذكروا أن الجاهليين كانوا يتغنون بالشعر، وكانت قيانهم يتغنين بشعر الشعراء. ومعنى هذا أنهم كانوا يغنون ببحور الشعر المألوفة، لا بشعر غنائي خاص. ونجد في خبر "أحد" أن "هندًا" قامت في النسوة اللاتي معها، وأخذن الدفوف يضرب خلف الرجال ويحرضونهم، فقالت "هند" فيما تقول:

إن تقبلوا نُعانق ... ونفرش النمارق

أو تدبروا نُفَارق ... فراق غيرِ وامق

وتقول:

ويهًا بني عبد الدار ... ويهًا حماة الأدبار

ضربًا بكل بَتَّار١

فهذا شعر، ينسجم التغني به مع الإيقاع على الدُّفوف، ووزنه يناسب ذلك النغم، لكنه ليس من شعر الغناء الخالص، الذي يتناسب مع الألحان المبنية على ارتفاع وانخفاض الصوت، وعلى التغيير في النَّبرات، وعلى الجرِّ والمطِّ، والقصر والجزم، وما شاكل ذلك من حركات يقتضيها إيقاع اشتراك جملة آلات دفعة مع الشعر الذي يتغنى به في وقت واحد، وربما اشترك في الغناء جملة مغنين.

ويذكر أهل الأخبار أن الغناء قديم في الفرس والروم، ولم يكن للعرب إلا الحداء والنشيد، وكانوا يسمونه "الركبانية"، "وأول من نقل الغناء العجمي إلى العربي من أهل مكة سعيد بن مسجح، ومن أهل المدينة سائب خاثر، وأول من صنع الهزج طويس"٢، وهو كلام قصد به أن الغناء العربي


١ الطبري "٢/ ٥١٢".
٢ نهاية الأرب "٤/ ٢٣٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>