للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل الإسلام لم يكن كثير التنويع، وإنما كان مقصورًا على طرق معينة، ثم تطور في الإسلام بدخول الأعاجم فيه، وباحتكاك العرب بهم. فالشعر الجاهلي إنما كان يتغنى به بتلك الطرق المحدودة، ونحن لا نستطيع البت في هذا الموضوع، لأنه من أخبار أهل الأخبار، ولكن لا يعقل في نظري أن يقتصر غناء الحضر على هذه الأنغام البدوية، وبينهم مغنون أعاجم وقيان استوردن من فارس والروم، وكن يحسن الغناء، ويتغنين بالشعر، فكان لعبد الله بن جدعان قينتان أعجميتان، تغنيان له ولضيوفه، وكان لغيره قيان، وقد ورد أن بعضهن كنَّ يغنين بهجاء الرسول. ثم إن ملوك الحيرة كانوا على اتصال بغناء الفرس وغناء بني إرم والنبط، فلا يعقل ألا يتأثروا بدروب غناء الأعاجم، فيدخلوها في غنائهم، وينوعوا في التغني بالشعر، وألا يبرز بينهم من يضع أشعارًا تنسجم مع ألحان الغناء

وكان من غناء العرب "النصب"، وقد عرف به الأعراب، وهو غناء يشبه الحداء، إلا أنه أرق منه. وهو العقيرة، يقال: رفع عقيرته إذا غنى النصب١.فهو غناء يتغنى به بشعر على طريقة معلومة، اشتهرت بها العرب، أهل البوادي.

وقد لعب الجمل دورًا خطيرًا في الشعر الجاهلي، وكيف لا يستأثر بمكانة مهمة في الشعر الجاهلي وهو مرافق الأعرابي، والحيوان الوحيد الذي رضي مصاحبته ومرافقته في الصحاري الموحشة المتعبة، ولهذا نال حقه من المدح والثناء عليه، كما ألهب مشاعر الأعراب فجعله يصفه في شعره، وصفًا كاد يحيط بجميع أجزاء جسمه٢، وحظيت الخيل بمكان مرموق أيضًا في مملكة الحيوان المذكورة في الشعر، فالفارس لا يكون فارسًا إلا بفرسه، وكان يقدم فرسه على نفسه وأهله في الطعام، لأهمية الفرس في حياته، فلا عجب إذا ما أبدع الشاعر الجاهلي في وصف الفرس، وأشاد بذكر الخيل في شعره. وحظيت الحيوانات الوحشية مثل المها والظباء، والحمار الوحشي، والأسود، على مكانة في الشعر الجاهلي كذلك، لما لها من صلة بحياة العربي.

يقول بروكلمن: "والقصيدة، المؤلفة على نظام دقيق، ينبغي استهلالها


١ اللسان "١/ ٧٦١ وما بعدها"، "نصب".
٢ بروكلمن "١/ ٥٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>