للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن فيه ليونة١، والعلماء يبحثون عن الشعر الخشن، الذي على العالم أن يفكر فيه ويعمل رأيه فيه طويلا، ويفكر ويغوص فيه حتى يجد معناه.

واشتهر بعض الشعر بشهرة عرف ونعت بها، مثل قصيدة سويد بن أبي كاهل، واسمه عطيف بن حارثة اليَشْكُري ويقال الوائلي، ويقال الغطفاني، التي عرفت باليتيمة، وهي قصيدة عينية. قيل عرفت بذلك لما اشتملت عليه من الأمثال. وهو من الشعراء المخضرمين٢. وعرفت القصيدة التي نظمها خداش بن زهير، في هشام والوليد ابني المغيرة المخزوميين، وفي عبد الله بن جدعان بالمنصفة٣. وذلك لإنصافه خصومه في شعره. ومن المنصفات قول المفضل النُّكْري:

كأن هزيزنا يوم التقينا ... هزيز أباءة فيها حريق

وكم من سيد منَّا ومنهم ... بذي الطرفاء منطقة شهيق٤

لقد مر الشعر بمراحل، سنة كل شيء في هذه الدُّنيا. بدأ بدائيًّا لبداءة أصحابه، ثم تطور بتطور الناس، تطور من حيث معانيه وأفكاره، وتطور من حيث قوالبه وأشكاله، أي بحوره. واقتضى هذا التطور ومرور الزمن وتغير الإنسان، ظهور أوزان جديدة، أوجدها الشعراء هروبًا من التقليد، وخروجًا على التقاليد، وابتداعًا من الشاعرية، لتقدم لعشاق الشعر لونًا جديدًا من ألوان النظم، يمتاز على المعروف المألوف المتوارث، بنفس جديد، وموسيقية حديثة تناسب الزمان والمكان، كما هو شأن الشعر عند كل أمة، فتعددت ألوانه وبحوره، حتى إذا كان الإسلام ضبطت ألوانه في بحور جمعها علم العروض المعروف.

أما أسماء أولئك المجددين في الشعر الجاهلي، فقضية لا يمكن البتُّ بها، ولا إصدار حكم فيها. فنحن لا نعرف من أمر الشعر الجاهلي إلا هذا الذي يرويه أهل الأخبار عنه، وهو لا يستند -كما قلنا- إلى سند جاهلي مدون، ولا إلى كتاب من كتب أهل الجاهلية ولا إلى ديوان من دواوينهم، بل روي رواية وحكى


١ الشِّعر والشُّعراء "١/ ١٥٠"، "دار الثقافة".
٢ الأغاني "١١/ ١٦٥"، الإصابة "٢/ ١١٧"، "رقم ٣٧٢١".
٣ ابن سلام، طبقات "٣٣".
٤ الأصمعيات "٢٣٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>