للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر"١. فالرجز -إن صح هذا الخبر- هو مثل الهزج والقريض والمقبوض والمبسوط صنف من أصناف الشعر، ولون من ألوانه، ومن هذه الأصناف المذكورة تكون الشعر في نظر الجاهليين.

فالرجز إذن صنف من أصناف الشعر، وبحر من بحوره، له وزن وإيقاع، هكذا كانت نظرة أهل الجاهلية إليه. وهو في الواقع شعر. و"الرجاز شعراء عند العرب وفي متعارف اللسان"٢.

"وليس يمتنع الرجز على المقصد امتناع القصيد على الراجز، ألا ترى أن كل مقصد يستطيع أن يرجز وإن صعب عليه بعض الصعوبة، وليس كل راجز يستطيع أن يقصد، واسم الشاعر وإن عمَّ المقصد والراجز فهو بالمقصد أعلق، وعليه أوقع، فقيل لهذا شاعر، ولذلك راجز، كأنه ليس بشاعر، كما يقال خطيب أو مرسل أو نحو ذلك"٣.

ولسهولة الرجز على اللسان لم ينظر إليه نظرة إكبار مثل نظرتهم إلى الشعر، هذا أبو العلاء المعري، يجعل جنة الشعراء جنة سامقة، لها بيوت عالية، أما جنة الرجز، فجنة أبياتها ليس لها سموق أبيات الجنة، جُعل فيها: أغلب بني عجل، والعجاج، ورؤبة، وأبو النجم، وحميد الأرقط، وعُذافر بن أوس، وأبو نخيلة، ثم يقول: "تبارك العزيز الوهاب! لقد صدق الحديث المروي: "إن الله يجب معالي الأمور ويكره سفاسفها". وإن الرجز لمن سفساف القريض، قصرتم أيها النفر فقصر بكم"٤.

ويعد الرجز من أقدم أنوع الشعر، ومن أبسطه وأيسره على الإنسان، ثم هو خفيف على النفس، فيه طرب وتأثير، وهو مطاوع يؤدي أغراضًا مختلفة، ويصلح لأن يعبر عن أحاسيس متنوعة، حتى يكاد أن يكون مطية الشعراء، يركبها كل من له طبع وذوق وحس مرهف، ومن هنا صار شعر من كان لا يقول الشعر أو لا يحضره إلى في الملمات والأزمات.


١ الروض الأنف "١/ ١٧٣"، اللسان "٥/ ٣٥٠".
٢ العمدة "١/ ١٨٥".
٣ العمدة "١/ ١٨٦".
٤ رسالة الغفران "٣٧٣ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>