للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من حياتهم، فهي ليست بمصطلحات مبتكرة، حتى نقول إن الخليل أوجدها من عنده، وإن علم العروض علم مستحدث نتيجة لذلك، أوجده الخليل بملاحظاته وذكائه من دون علم سابق بأصول الشعر.

وورد أيضًا، أن عتبة بن ربيعة لما مدح القرآن، لما تلاه رسول الله، قالت له قريش: هو شعر، قال: لا لأني عرضته على أقراء الشعر، فليس هو بشعر. أقراء الشعر: طرائقه وأنواعه١. وسئل الحطيئة عن زهير بن أبي سلمى، فقال: "ما رأيت مثله في تكفيه على أكتاف القوافي، وأخذه بأعنتها حيث شاء"٢. وكلام مثل هذا لا يمكن أن يصدر إلا من رجال لهم علم بالشعر وبدروبه وبحوره وأنواعه.

والذي أراه، أن شعراء الجاهلية كان لهم علم سابق بالشعر وضعوه قبل الإسلام، ولهم قواعد ورثوها من أسلافهم القدماء في كيفية نظم الشعر ببحور. كانوا يعرفون البحور، وربما كانوا قد وضعوا لها أسماء، على نحو ما يفعله شعراء الشعر العامي في هذا اليوم، وأكثرهم ممن لا يحسن الكتابة والقراءة، غير أنهم يعرفون طرق الشعر العامي ودروبه، سموها بأسماء، وعرفوها، ووضعوا لها أوزانًا وزنوا بها شعرهم، وحكموا بموجبها حكمهم على الشعر، فتراهم ينتقدون شاعرًا فيرفعون شعره، أو يذمونه، يزنون حكمهم بميزان علمهم المتوارث والمتعارف عليه عن الشعر. وقد وضع بعض المحدثين كتبًا في هذا الشعر، وفي ضبط دروبه وتسجيل قواعده. والذي فعله الخليل لا يخرج عن هذا العمل: حصر وسجل ما كان معروفًا بين الشعراء عن بحور الشعر وأبوابه وقواعده، ثم جمعه في كتاب فعد بعمله هذا مؤسس علم العروض. وإنما هو في الواقع جامع شتات هذا العلم ومسجل قواعد الشعر وبحوره. فهو بذلك أول من فعل هذا الفعل على ما أعلم. وهو عمل يشكر بالطبع عليه.

والذي أعانه وساعده على هذا الحصر والجمع، هو وجوده في العراق، وكان أهل العراق يتدارسون النحو والشعر واللغة قبل الإسلام. كانوا قد نقلوا إلى


١ اللسان "١٥/ ١٧٥"، "قرأ"، "أقراء الشعر: أنواعه وطرقه وبحوره"، تاج العروس "١/ ١٠٣"، "قرأ"، الفائق "١/ ٥١٨"، ابن سعد، طبقات "٤/ ١ ص١١٦ وما بعدها".
٢ الشعر والشعراء "١/ ٨١".

<<  <  ج: ص:  >  >>