للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السريانية -لغة الثقافة والعلم- علم اليونان باللغة والنحو والشعر، فساعدهم هذا النقل على تهذيب ما ورثوه من رجالهم من علم بهذه المعارف، وقاسوه بأقيسة ونظموه تنظيمًا علميًّا، وظلوا يتداولونه، فلما دخل منهم من دخل في الإسلام، أو احتك بالمسلمين، وكان عند العرب كلام في اللغة وفي الشعر، ولا سيما عند عرب العراق النصارى، فلا يستبعد عرض هؤلاء ما كان عندهم من علم اللغة والشعر إلى من كان له ميل لمثل هذه الدراسات، كأبي الأسود الدؤلي والخليل بن أحمد، فصار هذا العرض سببًا لظهور الأسس في النحو وفي العروض. وقد أدرك ذلك العلماء، فقال الصفدي: "إن الشعر اليوناني له وزن مخصوص ولليونان عروض لبحور الشعر. والتفاعيل عندهم تسمى الأيدي والأرجل، قلت ولا يبعد أن يكون وصل إلى الخيل بن أحمد شيء من ذلك أعانه على إبراز العروض إلى الوجود"١. فهو من ثم "أول من استخرج علم العروض وحصر أشعار العرب فيها"٢، ولكنه لم يكن مخترع هذا العلم وموجده من العدم. وقد ذهب بعض المستشرقين إلى أن عروض"Prosody أرسطو هو الذي علم الخليل طريقة وضع العروض واستنباط تفاعيل الشعر وبحوره٣.

ولابن خلِّكان رأي طريف في المنبع الذي استمد منه الخليل علم العروض، تراه يتحدث عنه فيقول: "وله معرفة بالإيقاع والنغم، وتلك المعرفة أحدثت له علم العروض، فإنهما متقاربان في المأخذ"٤. وكان الخليل صاحب علم بالموسيقى، ومن بين كتبه "كتاب النغم"، فرجل ذو علم بالموسيقى، وبتقاطيعها وأوزانها، يكون له ميل إلى الشعر وأوزانه، خاصة وأن بين الشعر والغناء والموسيقى روابط قديمة. فقد "كانت العرب تغني النصب، وتمدّ أصواتها بالنشيد، وتزن الشعر بالغناء. فقال حسان:

تغن بالشعر إما أنت قائله ... إن الغناء لهذا الشعر مضمار٥


١ نزهة الجليس "١/ ١١٦".
٢ نزهة الجليس "١/ ١٢٤".
٣ Freytag, Darstellung d. Arabi, Verskunst, S. ١٨, William Lindsay Alexander, A Cyclopaedia of Biblical Literature, vol, I, p. ١٨٨.
٤ ابن خلكان "١/ ٢١٦ وما بعدها".
٥ المرزباني، الموشح "٣٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>