للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي أن الخليفة عمر قال يومًا للنابغة الجعدي: أسمعني بعض ما عفا الله لك عنه من غنائك. فأسمعه كلمة له، قال له: وإنك قائلها؟ قال: نعم. قال: لطالما غنيت بها خلف جِمَال الخطاب"١. فإذا كان العرب قد وزنوا الشعر بالغناء، فلا يستبعد أن يكون الخليل قد ألهم من فعل العرب هذا قبله.

وقد ذكرت في الجزء الخامس من هذا الكتاب٢، أنه قد كان للشعر علاقة كبيرة بالغناء، فالغناء هو التغني بالشعر، ولذلك قالوا: تغنى بالشعر، وفلان يتغنى بفلانة إذا صنع فيها شعرًا. وله علاقة بالحداء أيضًا. قال: حدا به، إذا عمل فيه شعرًا٣. فالغناء نغم ووزن ويكون لذلك بكلام موزون. وهو الشعر الذي يناسب نغم الغناء. قال الجاحظ: "العرب تقطع الألحان الموزونة، والعجم تمطط الألفاظ فتقبض وتبسط حتى تدخل في الوزن اللحن، فتضع موزونًا على غير موزون٤. وقال ابن رشيق: "وزعم صاحب الموسيقى أن ألذ الملاذ كلها اللحن، ونحن نعلم أن الأوزان قواعد الألحان والأشعار معايير الأوتار لا محالة، مع أن صنعة صاحب الألحان واضعة من قدره، مستخدمة له، نازلة به مسقطة لمروءته. ورتبة الشاعر لا مهانة فيها عليه، بل تكسبه مهابة العلم، تكسوه جلالة الحكمة"٥.

ولا يستبعد تغني الشعراء الجاهليين بشعرهم، واستعمالهم آلات الموسيقى مثل الرباب لترافق غناهم بشعرهم، كما يفعل شعراء البادية في هذه الأيام. وقد ذكر أن الشاعر عروة بن أذينة، وهو من شعراء العصر الأموي "كان شاعرًا لبقًا في شعره، غزلا. وكان يصوغ الألحان والغناء على شعره في حداثته وينحلها المغنين"٦. وكان من شعراء المدينة٧.


١ العقد الفريد "٤/ ٩٠".
٢ "ص١٠٥ وما بعدها".
٣ اللسان "١٥/ ١٣٥"، "غنى"، تاج العروس "١٠/ ٢٧٢".
٤ رسائل الجاحظ "٢/ ١٥٨".
٥ العمدة "١/ ٢٦".
٦ العقد الفريد "٤/ ٩٦".
٧ الأغاني "٣١/ ١٠٥ وما بعدها"، الشعر والشعراء "٢/ ٤٨٣ وما بعدها"، المرتضى، أمالي "١/ ٤٠٨ وما بعدها"، السمط "٢٣٦"، درة الغواص "١٣٥"، المعارف "٤٩٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>