للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووقف عليه السريان قبل الإسلام، ونقل إلى العربية في الإسلام، قال "ابن النديم": "الكلام على أبوطيقا: ومعناه الشعر، نقله أبو بشر متى من السرياني إلى العربي، ونقله يحيى بن عدي"١. وتوجد ترجمة كتاب "الشعر" في العربية مطبوعة في هذا اليوم، وثبت أيضًا أن البابليين وغيرهم من أهل العراق، كانوا قد وضعوا قواعد في نظم الأشعار وفي تأليف أبياتها، وفي أصول نظمها، فلا استبعد وصولها إلى المتأخرين من العراقيين الذين عاشوا إلى أيام الإسلام، فوقف عليها الخليل، واستنبط منها فكرته في وضع العروض.

والذي أراه أن للبت في منشأ علم العروض، لا بد من البحث عن المصطلحات العربية الجاهلية التي كانت شائعة عند العرب في الجاهلية وعند ظهور الإسلام، عن تكوين الشعر وأصول نظمه، ثم تتبع مصطلحات الشعر عند الساميين، مثل الكلدانيين والعبرانيين ومقارنة مسمياتها بالمسميات العربية المنسوبة إلى الخليل، لمعرفة صلتها بعضها ببعض. ومن دراسة البحور، وتفاعليها، وأصول نظمها، فقد ثبت أن لتلك الشعوب قواعد في نظم الشعر، راعاها الشعراء في نظمهم شعرهم٢.

ولفظة "بحر" و"البحور" المستعملة في العروض، هي من الألفاظ المعروفة عند الجاهليين. ورد في كتب اللغة أن الشاعر إذا اتسع في القول، قالوا استبحر٣. ولما جاء الحارث بن معاذ بن عفراء على حسان بن ثابت؛ ليستحثه في هجاء النجاشي الذي هجا الأنصار، ألقى عليه حسان ثمانية أبيات، ثم توقف ومكث طويلا على الباب يقول: والله ما أبحرت٤. وذكر أن أبا بكر كان يقدم النابغة على غيره من الشعراء، فلما سئل عن ذلك قال: "هو أحسنهم شعرًا، وأعذبهم بحرًا، وأبعدهم قعرًا"٥. ومن هذا المعنى أخذ مصطلح "بحر" و"بحور الشعر" و"بحور العروض".

وكان الجاهليون أصحاب علم إذن بطرق الشعر وببحوره وبمقاصده وإنحائه،


الفهرست "ص٢٦٣ وما بعدها".
٢ Otto Weber, Die Literatur der Babylonter und Assyrer, Leipzig, ١٩٠٧, S. ٣٥.
٣ اللسان "٤/ ٤٤".
٤ خزانة الأدب "٤/ ٥٥ وما بعدها"، ديوان حسان "١٣١ وما بعدها".
٥ العمدة "ص٩٥، ١٣٦ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>