للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحسن شيئًا من العلم، لقد جاءني قوم يسألوني عن الجعطرى، فأخبرتهم أنه المكتل. قالوا: وما المكتل؟ قلت: هو المعضل! قالوا: وما المعضل؟ وكان بقربي بقال ضخم، فقلت: هو مثل ذلك البقال! فرووا عني"١.

ونجد المعري يتهم رواة بغداد بعدم الفهم في الشعر، ترى رأيه هذا فيهم في رسالة الغفران، حيث يسأل امرأ القيس: "يا أبا هند، إن رواة البغداديين ينشدون في قفا نبك، هذه الأبيات بزيادة الواو في أولها، أعني قولك:

وكأن ذرى رأس المجيمر غدوة

وكأن مكاكي الجواء

وكأن السباع فيه غرقى

فيقول: أبعد الله أولئك! لقد أساءوا الرواية. وإذا فعلوا ذلك فأي فرق يقع بين النظم والنثر؟ وإنما ذلك شيء فعله من لا غريزة له في معرفة وزن القريض، فظنه المتأخرون أصلا في المنظوم، وهيهات هيهات"٢.

وأما المدن الأخرى، فلم تبلغ في العلم شأو البصرة والكوفة ثم بغداد. فلم يعترف أحد من علماء العربية بوجود إمام في العربية بدمشق أو يثرب أو مكة. وقد زعم الأصمعي، أنه أقام بالمدينة زمانًا ما رأى بها قصيدة واحدة صحيحة إلا مصحفة أو مصنوعة، وكان بها عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب المعروف بابن دأب، يضع الشعر وأحاديث السمر، وكان شاعرًا وعلمه بالأخبار أكثر. وكان بها علي الملقب بالجمل، وضع كتابًا في النحو لم يكن شيئًا.

"وأما مكة فكان بها رجل من الموالي، يقال له: ابن قسطنطين، شدا شيئًا من النحو، ووضع كتابًا لا يساوي شيئًا"٣.

وقد دفعت العصبية إلى المدن، أهل المدينتين على التحاسد والتفاخر والتنافر، فادعى أهل كل مدينة أنهم أرسخ علمًا من أهل المدينة الثانية، وأنهم أكثر إحاطة


١ الرافعي "١/ ٤٠٤".
٢ رسالة الغفران "٣١٣ وما بعدها".
٣ المزهر "٢/ ٤١٣ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>