للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العربية، قال: "وكان لأهل البصرة في العربية قدمة بالنحو وبلغات العرب والغريب عناية"١. وابن سلام نفسه من علماء البصرة، ومن المتعصبين لها على أهل الكوفة.

وروي أن أبا الخطاب المعروف بالأخفش، وهو من علماء البصرة، كان أول من فسر الشعر تحت كل بيت، وما كان الناس يعرفون ذلك قبله، وإنما كانوا إذا فرغوا من القصيدة فسروها٢، فلأهل البصرة قدمة على أهل الكوفة في هذا المضمار.

ومن أهم ميزات أهل البصرة، هو استعمالهم القياس في النحو، فقد سبقوا به أهل الكوفة. أما أهل الكوفة، فقد أخذوا بالقياس في الفقه. فالقياس من أهم وسائل استنباط الأحكام الشرعية في فقه أبي حنيفة، وهو من علماء الكوفة. كان علماء البصرة يطبقون القياس على النحو واللغة، فما يسمعونه يقيسونه على ما جمعوه من قواعد استنبطوها من القرآن ومن الشعر ومن لغة العرب، ثم يحكمون حكمهم عليه. أما أهل الكوفة، فقد تحرروا منه، وكانوا على ما قيل عنهم، يأخذون بالشاذ والغريب، ولو خالف القياس. ومن هنا اتهموا بالضعف، وبعدم التروي في البحث والاستقصاء، وبالأخذ بالخبر من غير نقد ولا تمحيص. وهو اتهام، قد يكون للعاطفة يد فيه. وقد صار هذا القياس سببًا في إخضاع اللغة إلى حكم قواعد ثابتة اتفق عليها، استنبطت من الاستقراء، ومن تطبيق حكم القياس عليها، إلا أنه صار في الوقت نفسه سببًا في إهمال اللهجات المخالفة التي سماها العلماء لغات شاذة أو غريبة، وتركها لعدم استحقاقها في نظرهم شرف التسجيل والتثبيت، ولم يقدروا آنذاك أهميتها بالنسبة لمن يريد تتبع تأريخ لغات العرب وتطورها منذ الجاهلية إلى الإسلام.

وكان لأهل البصرة ميزة قربهم من أعراب نجد والبوادي، فكانوا يأخذون منهم القواعد واللغة، أما أهل الكوفة، فقد اعتمدوا على أشباه الأعراب من المقيمين في أطراف البادية، وهم ممن رفض أهل البصرة الأخذ عنهم، لأنهم


١ طبقات "٥".
٢ الْمُزْهِرُ "٢/ ٤٠٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>