للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له الفيصل، وكان له عم يقال له معاذ بن مسلم الهراء، وهو نحوي مشهور، وهو أول من وضع التصريف. وقد طعن رواة البصرة في علم الرؤاسي. قال أبو حاتم: "كان بالكوفة نحوي يقال له: أبو جعفر الرؤاسي، وهو مطروح العلم ليس بشيء، وأهل الكوفة يعظمون من شأنه، ويزعمون أن كثيرًا من علومهم وقراءتهم مأخوذ عنه"١.

وسبقت الكوفة البصرة في رواية الشعر، وقد خاطب علي بن أبي طالب أهل الكوفة بقوله: "إذا تركتكم عدتم إلى مجالسكم حلقًا عِزِينَ، تضربون الأمثال، وتناشدون الأشعار"٢، فالأمثال والشعر من أهم الموضوعات التي كان يتدرسها أهل الكوفة في أيام نشأتها الأولى، فهم على سنن الجاهليين في ضرب الأمثال ورواية الشعر. روي أن المفضل كان يروي للأسود بن يعفر ثلاثين ومائة قصيدة، وكان أهل الكوفة يروون له أكثر من غيرهم، ويتجوزون فيه أكثر من غيرهم٣، وقد انفردوا برواية شعر امرئ القيس، خلا نتف أخذت من أبي عمرو بن العلاء وبعض الرواة الأعراب٤. وروي أن "الشعر بالكوفة أكثر وأجمع منه بالبصرة، ولكن أكثره مصنوع ومنسوب إلى من لم يقله، وذلك بيِّنٌ في دواوينهم"٥. وقد زعم أهل الكوفة، أن علمهم بالشعر القديم، إنما ورد إليهم من "الطنوج"، وهي الكراريس التي أمر النعمان بن المنذر بتدوين أشعار العرب عليها، وما مدح به هو وأهل بيته، ثم أمر بدفنها في القصر الأبيض، فلما كان المختار بن أبي عبيد، احتفرها، "فأخرج تلك الأشعار، فمن ثم أهل الكوفة أعلم بالشعر من أهل البصرة"٦.

وكان حماد الراوية رأس أهل الكوفة في رواية الشعر وتدوينه، فقد بلغ الغاية في العلم بشعر الجاهليين، يقابله فيه خلف الأحمر عند أهل البصرة، وكان خلف أول من أحدث السماع في البصرة، "وذلك أنه جاء إلى حماد الرواية فسمع


١ المزهر "٢/ ٤٠٠".
٢ الرافعي "١/ ٣٨٢".
٣ ابن سلام، طبقات "٣٤".
٤ الرافعي "١/ ٤٣٢".
٥ المزهر "٢/ ٤٠٧".
٦ الخصائص، لابن جني "١/ ٣٩٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>