للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه الشعر، ثم تابعه البصريون فأخذوا عن حماد بعد ذلك، لانفراده بروايات من الشعر، فإنه هو الذي أخذ عنه كل شعر امرئ القيس، إلا شيئًا أخذوه عن أبي عمرو بن العلاء"١. وذكر أن الخثعمي، و"أبا البلاد" كانا من رواة أهل الكوفة في الشعر قبل "حماد، وكانا في خلافة عبد الملك بن مروان٢.

ونسب إلى بعض العلماء إضافتهم البيت أو الأبيات على ألسنة الشعراء، لتوجيه الحجة وتزيين الخبر، والاستشهاد على قاعدة نحوية أو صرفية. وذكر أن بعضًا منهم قد اعترف بذلك، وأقر الوضع٣. وفي هذه الاعترافات المنسوبة إليهم، ما هو باطل مصنوع. صنعه عليهم حاسدهم ومنافسوهم في الصنعة، ورموه بين الناس على أنه إقرار من أولئك العلماء بالوضع، ولا يعقل صدور مثل هذه الاعترافات منهم، لشهرتهم ولمكانتهم بين الناس، ولخوفهم من السمعة السيئة، واشتهارهم بالكذب والانتحال. وليس معنى هذا أنهم لم يضعوا ولم يصنعوا شيئًا على الشعر الجاهلي، إنما أشك في صحة ما قيل على ألسنتهم من اعترافهم بالدس والوضع.

وذكر أن أهل الكوفة كانوا يقدمون الأعشى، وأن علماء البصرة كانوا يقدمون امرأ القيس، وأن أهل الحجاز والبادية يقدمون زهيرًا والنابغة٤. وقد كان من اللازم أن يتعصب أهل الكوفة لامرئ القيس، فقد روى أكثر شعره حماد ورواة آخرون من أهل الكوفة. وقد كان يونس بن حبيب، وهو من البصريين ومن المتعصبين لمدينته يقول: "يا عجبًا للناس، كيف يكتبون عن حماد وهو يصحف ويكذب ويلحن ويكسر"٥.

وقد اتهم الكوفيون بأنهم كانوا أكثر الناس وضعًا للأشعار التي يستشهد بها، "لضعف مذاهبهم وتعلقهم على الشواذ واعتبارهم منها أصولا يقاس عليها". "وأول من سنَّ لهم هذه الطريقة شيخهم الكسائي، قال ابن درستويه: كان يسمع الشاذ الذي لا يجوز إلا في الضرورة فيجعله أصلا ويقيس عليه، فأفسد النحو بذلك". و"قال الأندلسي في شرح المفصل: والكوفيون لو سمعوا


١ الرافعي "١/ ٤٢٣".
٢ المصدر نفسه.
٣ الرافعي "١/ ٣٨٣ وما بعدها".
٤ طبقات، ابن سلام "١٦".
٥ رسائل الجاحظ "١/ ٢٢٦"، "كتاب البغال".

<<  <  ج: ص:  >  >>