للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونسمع قصصًا عن تغليط علماء البصرة والكوفة بعضهم البعض، فنجد خلفًا الأحمر، وهو شيخ البصرة في الشعر، يذكر أنه أخذ على المفضل الضَّبِّي في يوم واحد تصحيف ثلاثة أبيات١. ونجد الأصمعي وهو من علماء البصرة كذلك، يحمل على علم الضبي في الشعر، ويرميه بعدم الفهم٢. وتجد قصصًا روي عن علماء مشاهير مثل ثعلب وغيره، يحمل فيه أولئك العلماء بعضهم على بعض، وينتقص بعضهم على البعض الآخر٣.

ونحن إذا أردنا الوقوف موقفًا علميًّا، فلا نستطيع إلا أن نقول: إننا لا نستطيع تبرئة أهل الكوفة من الصنعة والوضع، كما لا نستطيع تبرئة أهل البصرة منهما، لأن في كل مدينة من المدينتين منافسات بين العلماء، وتزاحم على الرئاسة، وحسد يدفع الإنسان على الوضع والصنعة والأخذ بالخبر مهما كان شأنه لإقحام الخصوم، والتغلب عليهم. فإذا كان حماد عالم الكوفة في الشعر من الوضاعين، وكان يصحف ويكذب ويلحن ويكسر٤، فقد كان خلف الأحمر وهو عالم البصرة، مثله في الصنعة والوضع والكذب. وكان "شوكر" وهو من أهل البصرة، ومن رجال المائة الثانية، ممن يضع الأخبار والأشعار، وفيه يقول خلف الأحمر:

أحاديث ألفها شوكر ... وأخرى مؤلفة لابن دأب٥

وقد نقح علماء الشعر من المدرستين والمدارس الأخرى ما أخذوه من الشعر الجاهلي، وأجروا على ما لا يتفق منه والقواعد التي ثبتوها للنحو وللعروض تهذيبًا وتشذيبًا، وعابوا منه أمورًا مثل الإقواء والزحاف، واختلال الوزن، وما شاكل ذلك. وقد تحدث عن ذلك المعري في رسالة الغفران، وهو شاعر ومن نقدة


١ المصون "١٩١ وما بعدها".
٢ المصون "١٩٢ وما بعدها".
٣ المزهر "١/ ٢٠٢ وما بعدها".
٤ رسائل الجاحظ "١/ ٢٢٦"، "كتاب البغال".
٥ لسان الميزان "٣/ ١٥٨"، "٤/ ٤٠٩"، رسائل الجاحظ "١/ ٢٢٥"، "كتاب البغال".

<<  <  ج: ص:  >  >>