للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخليل لم يجمع كل بحور الشعر الجاهلي، بل طرح بعض الأوزان الهزيلة التي كان القدماء قد استنبطوها١، ولعله لم يتمكن من الوقوف على أوزان أخرى؛ لأنها لم تكن مألوفة بين عرب العراق، أو لأنها صيغت بلهجات قبائل لم يرتح من شعرها، لأنه من الشعر القبلي الخاص.

وفضل العلماء الشعر الذي يكون فيه البيت تامًّا مستغنيًا بمعناه عن غيره، وقالوا لذلك: البيت المقلد. لأنه قائم بذاته غني عن غيره، يضرب به المثل٢. ولهذا رأوا في القصيدة الجيدة، أن تكون أبياتها مقلدة، إذا قدمت بيتًا منها على بيت أو أبيات، أو إذا أوت بيتًا منها، أو حذفت بيتًا منها أو أكثر، فإنها لا تتأثر بهذا التغيير والتبديل، ولعل لهذا الرأي صلة بقولهم: "ومقلدات الشعر وقلائده البواقي على الدهر"٣.

وقد أورد الجاحظ رأيًا في القصيدة لخلف الأحمر، فقال: "أما قول خلف الأحمر:

وبعض قريض القوم أولاد علة

فإنه يقول: إذا كان الشعر مستكرهًا، وكانت ألفاظ البيت من الشعر لا يقع بعضها مماثلا لبعض، كان بينها من التنافر ما بين أولاد العَلَّات. وإذا كانت الكلمة ليس موقعها إلى جنب أختها مرضيًا موافقًا، كان على اللسان عند إنشاد ذلك الشعر مؤونة.

قال: وأجود الشِّعر ما رأيته متلاحم الأجزاء سهل المخارج، فتعلم بذلك أنه قد أفرغ إفراغًا واحدًا، وسبك سبكًا واحدًا، فهو يجري على اللسان كما يجري الدهان"٤.

وقد رأينا أمثلة كثيرة في استحسان شعر شاعر، أو في المفاضلة بين شعر الشعراء، والموازنة بينهم، ,قد بنيت على أبيات، أعجبت الناقد المفاضل،


١ غرونباوم "١٣٥".
٢ ابن سلام، طبقات "١٢٧ وما بعدها"، "دار المعارف"، الجرجاني، الوساطة "٣٣".
٣ تاج العروس "٢/ ٤٧٥"، "قلد".
٤ البيان والتبيين "٦٦ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>