للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففضل شاعره الذي جعله أشعر على غيره، ثم رأيناه نفسه، لكن في موقف آخر يفضل غيره عليه، بسبب بيت أو أبيات أعجبه أو أعجبته. وقد تبدلت هذه النظرة في أيام العباسيين، فنجد لابن سلام مقاييس جديدة في النقد، وفي وضع الشعراء وتصنيفهم إلى طبقات. ونجد لابن قتيبة رأيًا في النقد يستند على آراء من تقدم عليه وعلى ملاحظاته الشخصية في النقد والموازنة بين الشعراء، وقد يخالف غيره على رأيه، خذ ما قله من نقد مرير في الأصمعي حيث يقول: "ومن هذا الضرب أيضًا قول المرقش:

هل بالديار أن تجيب صمم ... لو أن حيًّا ناطقًا كلم

يأبى الشباب الأقورين ولا ... تغبط أخاك أن يقال حكم

والعجب عندي من الأصمعي إذ أدخله في متخيره، وهو شعر ليس بصحيح الوزن، ولا حسن الروي، ولا متخير اللفظ، ولا لطيف المعنى، ولا أعلم فيه شيئًا يستحسن إلا قوله:

النشر مسك والوجوه دنا ... نير وأطراف الأكف عنم١

ويذكر أهل الأخبار أن من الشعراء من كان يستحسن بيت شاعر، فيسطو عليه. ونجد ابن قتيبة يذكر في كتابه "الشعر والشعراء" ما أخذه الشعراء بعضهم من بعض، فذكر مثلا أن طرفة، والنابغة الجعدي، والشماخ، وأوس بن حجر، والنجاشي، وزهير، والمسيب، وزيد الخيل أخذوا من شعر امرئ القيس، فنظموه في شعرهم٢. وإذا صح ذلك، كان معناه أن أولئك الشعراء كانوا قد حفظوا شعر امرئ القيس، وأنهم كانوا يحفظون أشعار غيرهم من الشعراء المتقدمين عليهم أو المعاصرين لهم وبذلك سطوا على ذلك الشعر أو على معناه.

غير أننا لو درسنا الأمثلة التي ذكرها ابن قتيبة وغيره على أنها من سرقات الشعر، نرى أن أكثرها لا يمكن أن يعد سرقة، لأن للسرقة الشعرية علامات،


١ الشعر والشعراء "١/ ١٨ وما بعدها".
٢ الشعر والشعراء "١/ ٦٨ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>