للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان خلف الأحمر رأس البصرة في رواية الشعر وفي البصر به. كما كان حماد زعيم الكوفة في هذا العلم. وكان خلف نفسه ممن أخذ هذا العلم عن حماد، فهو من أحد تلامذته ورواته وسامعيه. وكان المقدم عند أهل البصرة، حتى كانا لا يصدرون الرأي في شعر دونه، ,إذا اختلف علماؤهم في شيء منه، عرضوا خلافهم عليه للبت فيه١. وروي أنه كان أول من أحدث السماع بالبصرة، وذلك أنه جاء إلى حماد الراوية، فسمع منه٢.

وقيل عنه: إنه كان شاعرًا مجيدًا جيد الشعر كثيره، لم يكن في نظرائه أحد يقول مثله الشعر٣. ووضع على شعراء عبد القيس شعرًا كثيرًا موضوعًا وعلى غيرهم، وأخذ ذلك عنه أهل البصرة وأهل الكوفة. وكان خلف أخذ النحو عن عيسى بن عمر، وأخذ اللغة عن أبي عمرو. "ولم ير أحد قط أعلم بالشعر والشعراء منه، وكان يضرب به المثل في علم الشعر، وكان يعمل على ألسنة الناس، فيشبه كل شعر يقوله بشعر الذي يضعه عليه، ثم نسك فكان يختم القرآن في كل يوم وليلة، وبذل له بعض الملوك مالا عظيمًا خطيرًا على أن يتكلم في بيت شعر شكُّو فيه، فأبى ذلك. وعليه قرأ أهل الكوفة أشعارهم، وكانوا يقصدونه لما مات حماد الراوية، لأن كان قد أكثر الأخذ عنه. وبلغ مبلغ لم يقاربه حماد. فلما نسك خرج إلى أهل الكوفة فعرفهم الأشعار التي قد أدخلها في أشعار الناس، فقالوا له: أنت كنت عندنا في ذلك الوقت أوثق منك الساعة، فبقي ذلك في دواوينهم إلى اليوم"٤. وروي عن خلف قوله: "كنت آخذ من حماد الراوية الصحيح من أشعار العرب، وأعطيه المنحول، فيقبل ذلك مني، ويدخله في أشعارها، وكان فيه حمق"٥.

ويصعب في الواقع تصديق هذه الرواية المنسوبة إلى خلف الأحمر، فلم يكن حماد بإجماع المنافسين له على شيء من الفضلة والحمق، حتى نصدق ما ورد في هذا الخبر الآحاد، الذي هو خبر من أخبار رواة البصرة، بل نرى من الأخبار


١ الرافعي "١/ ٣٨١".
٢ ابن الأنباري، نزهة "٥٨ وما بعدها".
٣ المعارف "٥٤٤".
٤ المُزْهِر "٢/ ٤٠٣".
٥ الأغاني "٦/ ٩٢"، "٩/ ١٢٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>