للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدخل في هذا الباب أننا نجد بيتًا أو أبياتًا تنسب في أحد الموارد لشاعر، بينما نرى ديوانه خاليًا منه أو منها، من ذلك ما رواه "المعري"، من أنه لما كان ببغداد، شاهد بعض الوارقين يسأل عن قافية "عدي بن زيد" التي أولها:

بكر العاذلات في غلس الصبـ ... ـح يعاتبنه أما تستفيق

وزعم الوراق أن بعض طلاب شعر هذا الشاعر سأل عن هذه القصيدة، وطلبت في نسخ من ديوان "عدي" فلم توجد. ثم سمع بعد ذلك رجلًا من أهل "استرباذ" يقرأ هذه القافية في ديوان "العبادي"، ولم تكن في النسخة التي في دار العلم١. وذكر أشياء أخرى من هذا القبيل، تراها في كتاب أو في نسخة من نسخ ديوان الشاعر، بينما لا تراها في نسخ الديوان الأخرى، مما يدل على أن الدواوين لم تكن متفقة في النص، وأنها رويت بروايات مختلفة، وأن في بعضها ما يزيد على البعض الآخر٢.

ونحل الشعر، وإن وقع وحدث، غير أن أمره لم يفت على بال العلماء المهرة الحاذقين، ودليل ذلك، ما نجده في كتبهم من الإشارات إلى المنحول والمصنوع من الشعر، ومن نصهم عليه، وإن فات عليهم بعضه، ومن نصهم على المنحول ومن ملاحظاتهم تلك أخذ المستشرقون والمحدثون من العرب آراءهم في الشعر الجاهلي، فما أورده "ماركليوث" مثلا من نقد على الشعر الجاهلي، أو ما أورده "الدكتور طه حسين" من رأي فيه، ليس فيه شيء جديد، وجديده الوحيد، هو في التهويل بمقدار المغشوش من هذا الشعر، أما من حيث المبدأ، أي من حيث وجود شعر منحول فاسد، في الشعر الجاهلي، فالقدماء والمحدثون والمستشرقون متفقون في ذلك، وخلافهم الوحيد، هو في مقدار نسبة الفاسد من الشعر بالنسبة إلى الصحيح.

فما قيل عن نحل الشعر إذن هو قول قديم. روي عن الأصمعي أنه قال: "كل شيء في أيدينا من شعر امرئ القيس، فهو من حماد الراوية إلا نتفا سمعتها من الأعراب وأبي عمرو بن العلاء"٣. وروي عن "حماد" الراوية قوله:


١ رسالة الغفران "١٤٦ وما بعدها".
٢ رسالة الغفران "٥١٣".
٣ مراتب النحويين، لأبي الطيب اللغوي "٧٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>