للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تعرض القدماء لموضوع الشعر المقال على ألسنة الأمم القديمة وملوكها، فرفض "ابن سلام" ذلك الشعر، بقوله: "وإنما قصدت القصائد وطول الشعر على عهد عبد المطلب وهاشم بن عبد مناف، وذلك يدل على إسقاط عاد وثمود وحمير وتبع"١. إذن فما أضيف إلى هؤلاء وإلى أهل اليمن هو شعر منتحل.

ومن أصحاب البصر والنظر في الشعر: "خلف الأحمر". "وقد كان أبو عمرو بن العلاء وأصحابه لا يجرون مع خلف الأحمر في حلبة هذه الصناعة، أعني النقد، ولا يشقون له غبارًا، لنفاذه فيها، وحذقه بها، وإجادته لها"٢. وعلمه بالشعر، جعله من كبار الوضاعين له على ألسنة الجاهليين.

وبعد، فإننا لا نستطيع بالطبع التصديق بصحة الشعر المنسوب إلى آدم والجن والتبابعة وأهل العربية الجنوبية وغيرهم ممن لا يعقل قولهم الشعر العربي، وإن نص على صحة ذلك الشعر، ورواه العلماء. أما سبب رفضنا قبول الشعر المنسوب إلى أهل العربية الجنوبية من ملوك وأقيال ورؤساء، فلأنهم كانوا يتكلمون ويكتبون كما هو ثابت لدينا من نصوصهم بلغة تختلف عن لغة الشعر المألوفة، ولو تصورنا أنهم كانوا ينظمون الشعر بلغة الشعر المعروفة، ويكتبون ويتكلمون بلغة أخرى، فإننا نكون قد قلنا برأي مخالف للمعقول وللمنطق، ونكون قد أوجدنا لهم لغة للشعر ولغة للنثر، وهو افتراض لا يمكن لأحد إثباته، ثم إن لغة التدوين تكون في العادة لغة الأدب عامة من شعر ومن نثر، لذا فإذا قفلنا بوجود شعر جاهلي للعرب الجنوبيين، قلنا يجب أن يكون هذا الشعر بلغتهم، لا بلغة هذا الشعر الجاهلي الذي نتحدث عنه.

وبعد، فلعل قائلًا يقول: وما فائدة الشعر الجاهلي إذن، إذا كان هذا شأنه فيه المنحول والفاسد، وما يشك في أصله والجواب: إن العلماء، وإن اختلفوا فيه، مجمعون ومتفقون على أن رواة هذا الشعر وحملته كانوا من أعلم الناس بالجاهلية: بأخبارها وبأيامها وبأنسابها، وبأنهم كانوا من أمرس الناس بالشعر الجاهلي وبطرقه ودروبه، فهم إن وضعوا ولفقوا، أو كيفوا، فإنهم لا يضعون عن جهل وعمى، بل عن علم وفهم بالجاهليين وبمذاهبهم في نظم


١ طبقات "١١".
٢ العمدة "١/ ١١٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>