للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرأى أنه رأي فائل، لأن الروايات قد تواردت على نسبتها، وتجد أشياء منها في الصدر الأول، غير أنه مما لا شك فيه أن تلك القصائد لا تخلوا من الريادة وتعارض الألسنة، قلّ ذلك أو كثر، أما أن تكون بجملتها مولدة فدون هذا البناء نقض التأريخ١.

ولم أجد بين الموارد التي وصلت إلينا من موارد مطبوعة أو مخطوطة موردا واحدا ذكر أن الرسول حينما فتح مكة، وأمر بتحطيم ما كان بها من أصنام وأوثان وبطمس ما كان بها من صور، وجد معلقة واحدة أو جزءا من معلقة أو أي شعر آخر وجد مكتوبا ومعلقا على أركان الكعبة أو على أستارها، كما أني لم أجد في أخبار بناء الكعبة خبرا يشير إلى أنهم علقوا المعلقات على الكعبة حينما أشادوها وبنوها من جديد. ولو كانت تلك القصائد قد علقت، لما سكت الرواة عنها وأغفلوا أمرها إغفالا تامًّا، ثم إن أهل الأخبار الذين أشاروا إلى الحريق الذي أصاب الكعبة، والذي أدي إلى إعادة بنائها، لم يشيروا أبدا إلى احتراق المعلقات كلها أو جزء منها في هذا الحريق، ولو كانت موجودة ومعلقة على الكعبة كما زعموا، لما سكتوا عن ذكر هذا الحدث الهام. ثم إني لم أسمع أن أحدا من حملة الشعر الجاهلي من الصحابة أو التابعين، ولا غيرهم من رواة شعر الجاهلية وحفظته، وكلهم كانوا يتلذذون بروايته وبسماعه، أشار إلى وجود معلقات ومذهبات وقصائد سبع مختارة، ولو كان لهم علم بها لما أخفوا ذلك عمن جاء بعدهم أبدا. وتعليق المعلقات قصة لا أستبعد أن تكون من صنع "حماد" جامعها، أو من عمل من جاء بعده، في تعليل سبب ذلك الاختيار.

وأما ما زعم من أن معاوية قال: "قصيدة عمرو بن كلثوم، وقصيدة الحارث بن حلزة، كانتا معلقتين بالكعبة دهرا"٢، فخبر لا يوثق به.

ومن "السمط" جاءت فكرة تعليق المعلقات. فالسمط: خيط النظم لأنه يعلق، وقيل قلادة أطول من المخنقة، والخيط ما دام فيه الخرز، وجمعه "سموط"٣. فالسمط يعلق، وقد دعيت القصائد المذكورة بـ "السمط"، وقالوا


١ الرافعي "٢/ ١٩٣".
٢ الخزانة "١/ ٥١٩"، "بولاق".
٣ اللسان "٧/ ٣٢٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>