للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتذكر رواية أخرى أن أباه نهاه بعد عودته إليه من قول الشعر، ثم إنه قال:

ألا انعم صباحا أيها الطلل البالي

فبلغ ذلك أباه فطرده١.

والمشهور بين علماء الشعر، أن امرأ القيس إنما طرد، لأنه كان يقول الشعر، وكانت الملوك تأنف من ذلك، فزجره أبوه ومنعه عن قوله، فلما لم ينته طرده. فكان يسير في أحياء العرب ومع أخلاط من شذاذ العرب من طيء وكلب وبكر بن وائل، فإذا صادف غديرا أو روضة أو موضع صيد أقام، فذبح لمن معه في كل يوم وخرج إلى الصيد فيصيد ثم عاد فأكل وأكلوا معه وشرب الخمر وسقاهم وغنته قيانه، ولا يزال كذلك حتى ينفد ماء ذلك الغدير، ثم ينتقل عنه إلى غيره. فأتاه خبر أبيه ومقتله وهو بدمّون من أرض اليمن، فقال: ضيعني صغيرا وحملني دمه كبيرا، لا صحو اليوم ولا سكر غدا، اليوم خمر وغدا أمر! ثم شرب سبعا، فلما صحا آلى أن لا يأكل لحما، ولا يشرب خمرا، ولا يدهن ولا يصيب امرأة، ولا يغسل رأسه حتى يدرك ثأره. وهكذا صيروا "امرأ القيس" من الصعاليك، وجعلوه في عدادهم، فاتكا كثير الغزل والولوع بالنساء، يتنقل في أحياء العرب ويغير بهم، فيصف الأوثان، ويبكي على الدمن، ويذكر الرسوم والأطلال وغير ذلك٢.

ويرجع سند أكثر الروايات المتقدمة والتي بعدها إلى "ابن الكلبي"، ولابن الكلبي كتاب يتصل بامرئ القيس اسمه: "كتاب تسمية ما في شعر امرئ القيس من أسماء الرجال والنساء"٣، وله روايات مدونة في الأغاني وفي كتب أدب أخرى عن هذا الشاعر وعن ملوك كندة، ويظهر أنه قد اصطنع قصص امرئ القيس، وأضاف على القصص شعرا، ليكون له سندا وتفسيرا، وقد يكون أخذ القصص من أفواه الأعراب والرواة الذين حرفوا تأريخ امرئ القيس ووالده وحوروه وحولوه على طريقتهم المألوفة إلى قصص وأساطير، تميل نفوسهم إلى الاستماع إليها، فنقلها عنهم كما سمعها. غير أن "ابن الكلبي"، كان كما


١ الشعر والشعراء "١/ ٥٢"، "الثقافة".
٢ نزهة الجليس "٢/ ١٤٧ وما بعدها".
٣ الفهرست "١٤٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>