للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبـ "الرجيلاء"، وعرف الواحد منهم بـ "الرجليّ"١، وقد تكون للفظة "الخلع" صلة بالفقر والإملاق كذلك، بدليل ما ذكروه في تفسير "المعيل" من قولهم: "المعيل: الذي قصر ماله وعليه عيال"٢. وقد عرف الصعاليك بـ "الرجليين" لاستعمالهم أرجلهم في الإقدام والهروب، لأنهم فقراء لا يملكون غير أرجلهم تحملهم إلى المواضع التي يريدون سرقتها، إذ لا خيل لهم يركبونها لعجز أكثرهم عن شرائها، فلا يكون أمامهم غير الاعتماد على الرجل.

والجوع حليف ملازم للصعاليك، لم ينفر منهم، ولم يبتعد عنهم لذلك كثر الحديث عنه في شعرهم وفي أخبارهم. وقد كانوا يهربون منه، لكنهم لم يفلتوا منه. فقد كان ممسكا بهم، ملازما لهم، ما داموا صعالكة، فالجوع نفسه جزء من أجزاء الصعلكة. وفي شعر "عروة بن الورد" أن الجوع كان ينزل به، حتى يكاد يهلكه، أنزل به الهزال، وأراه الموت، لولا أنه كان يتهرب منه بالغارة، لينال منها البلغة، فالمنايا خير من الهزال المقيت المميت٣. وفي شعر للسليك بن السلكة، أن الجوع كان يغشاه في الصيف، حتى كان إذا قام تولاه إغماء شديد، يريه الدنيا ظلاما من أثر الجوع٤.

وما دامت حياة الصعلكة جوع وفقر، وإملاق وهروب من متعقب، فالموت خير للصعلوك من حياة يعيشها فقيرا، لا أقارب له تعطف عليه، ولا أهل يشفقون عليه، ولا قوم يراجعونه ويتعهدونه بالحماية٥، حياته موحشة قاسية، تفور بالأخطار والتهلكة والمغامرات، لايدري متى يأتيه الموت ومن أين يأتيه، إذا نام، خاف من غادر قد يغدر به، ومن متعقب يتعقب أثره، ومن طالب ثأر يريد الأخذ بثأره، ومن حيوان صعلوك مثله، يريد أن يقضي على


١ تاج العروس "٧/ ٣٣٩"، "رجل"، "أجارت السليك بن السلكة السعدي، وكان رجليًّا"، المحبر "٤٣٣".
٢ تاج العروس "٥/ ٣٢١"،"خلع".
٣
أقيموا بني لبني صدور ركابكم ... فإن منايا القوم خير من الهزل
ديوان عروة "١٠٦".
٤ الأغاني "١٨/ ١٣٥".
٥
إذ المرء لم يبعث سواما ولم يرح ... عليه ولم تعطف عليه أقاربه
فللموت خير للفتى من حياته ... فقيرا ومن مولى تدب عقاربه
ديوان عروة "١٥٠"، وينسبان لغيره، حماسة أبي تمام "١/ ١٦٦، ١٦٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>